قصص الأنبياء / قراءة

آدم عليه السلام

آدم عليه السلام هو أول مخلوق على وجه الأرض وأول انسان كرمه الله ونفخ فيه من روحه، وكان آدم نبي من أنبياء الله تعالى، ويمثل بنيه على مر التاريخ إلى أن يرث الأرض وما عليها بكل نوازع الانسان ( في قوته ونسيانه وقلّة عقله)، وفي السطور التالية سنحكي قصته بصورة تفصيلية.

ما الذي كان موجود قبل خلق الكون ؟

كان الله ولم يكن قبله شيء وأول ما خلقه كان القلم ثم اللوح المحفوظ فكتب القلم عليه ثم بعد ذلك جاء خلق الخلائق وخلق السماوات والأرض وإلى ما ذلك.

متى خلق آدم عليه السلام؟

أما ترتيب خلق المخلوقات فوفق للأحاديث النبوية أن الله خلق التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروب ( الأذى والجراثيم ..إلخ) يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام يوم الجمعة بعد العصر فكان هو آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر والمغرب.

خلق الملائكة والجن وابليس

خلق الله سبحانه وتعالى قبل آدم الملائكة وهي كائنات نورانية تسبح بحمد الله وتستغفره دائمًا، وجاء في الحديث الصحيح أن الملائكة خلقت من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لهم.

وجاء بعد خلق الملائكة خلق الجن من مارج من نار ( طرق اللهب )، وفي القرءان الكريم يقول ابليس : " خلقتني من نار " ويقول الله: " والجان خلقناه من قبل من نار سموم " وهذا أصل خلق الجن، وابليس لعنه الله من الجن، وجاء في الآية : " إن ابليس كان من الجن"، ويقول الحسن البصري لم يكن ابليس من الملائكة طرفة عين.

من كان يسكن الأرض قبل آدم عليه السلام ؟

كان الجن يسكن الأرض فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جند من الملائكة فاتلتهم قبل خلق ادم بالفين عاما، وطردوهم إلى جزائر البحور، وهذه مراكز الجن الرئيسية في تلك الأماكن وجاءت الأحاديث الشريفة تشير إلى أن ابليس له عرش ( رئيس الجن ) وعرشه على الماء في مكان ما على الأرض.

رسالة آدم عليه السلام

يقول الله سبحانه وتعالى "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون".

وتبدأ القصة في خلق آدم قبل خلقه بحوار سماوي عظيم بين الرب سبحانه وتعالى والملائكة عليهم السلام كما جاء في القرءان الكريم: " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة". أي مخلوقات تتكاثر في الأرض واحد تلو الآخر، وتحكم الأرض وتعمرها.

والجن أقل شأن من أن يعمروا الأرض، وأقل عقلا من أن يعمروا الأرض، يقول العلماء عن الجن: " أعقلهم بعقل صبي عمره 10 سنوات".

وتساءلت الملائكة : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون".

والملائكة لم تقل ذلك على وجه الاعتراض، فالملائكة لا تعصي الله عز وجل بل عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولقد قالوا ذلك على وجه الاستفسار بعدما رآوا من صنع الجن في الأرض بعدما أعطاهم الله الخيار لذلك خافت الملائكة من أن يفسد في الأرض بنو البشر.

وخاف الملائكة من أن يكونوا قصروا في عبادة الله عز وجل ولذلك جاء في كلامهم " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " يعني وكأنهم يقولون هل قصرنا؟!

ورد الله على الملائكة قائلًا: " إني أعلم ما لا تعلمون ".

وهنا تحدثت الملائكة بينهم وقالوا يخلق ربنا ما شاء، فلن يخلق خلقا إلا كنا أكرم على الله منه وأعلم.

مما خلق آدم عليه السلام ؟

ولما أراد الله خلق آدم أمر بتربة من الأرض فرفعت إليه، وفق الحديث الصحيح، أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض بواسطة الملائكة، فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود ويبن ذلك، وجاء منهم الخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك فاختلاف البشر في أشكالهم وألوانهم وطبائعهم هو أصل اختلاف الأرض بخلقتها.

وفي البداية كان بني ادم تراب ثم طينا، ويقول الله : " وإذ  قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين"، والطين هو التراب المبلل ثم بلت الطين أكثر فبدأ هذا الطين يتلاصق ثم شكله الله سبحانه وتعالى بيديه الكريمتين عز وجل، وجاء هذا في الآية : " بما خلقت بيدي " ولم يوكل الله خلقه للملائكة وإنما بنفسه عز وجل فشكله في صورة تمثال وترك هذا الطيبن مدة، فصار صلصال أسود مصور كالفخار، ثم ترك حتى صار صلصال، واسود لونه مع جفافه فصار كالحمأ  المسنون ( أي الأسود الذي يوجد به آثار الرماد).

يقول الله سبحانه وتعالى: " ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون ".

وفي الحديث الشريف ترك الله آدم ولم ينفخ فيه الروح، ولما رأى ابليس خلق آدم الأجوف عرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس به قوة وفارغ من الداخل، ثم إن الله سبحانه وتعالى خلقه بهذه الصورة فصلت الأحاديث ما فعله معه ابليس.

شكل آدم عليه السلام بعد الخلق؟

الأحاديث النبوية تقول أن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، فمازال الخلق ينقص منذ ذلك الزمان، وأهل الجنة كلهم في طول آدم يدخلون الجنة بهذا الطول إن شاء الله.

ومرت الملائكة على آدم وهو مخلوق من صلصال وفزع ابليس من صلصلة الجسد لأنه فخار فيقول ابليس: لأمر ما خلقت. ثم يدخل من فمه ويخرج من مؤخرته فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا لئن سلطت عليه لأهلكنه، ولإن سلط علي لأعصينه.

تعجب ادم من خلق ادم ومن اولها وقعت العداوة عنده ضد آدم عليه السلام، ثم نفخ الله تعالى الروح في آدم.

نفخ الروح في جسم آدم الصلصال وتحوله للصورة البشرية الحالية

في الحديث عن تفصيل نفخ الروح في آدم عليه السلام فلما نفخ فيه الروح ودخل الروح في رأسه فعطس، فقالت الملائكة قل الحمد لله، فقال الله عز وجل رحمك ربك، أي قبل أن تكتمل الروح في آدم نزلت عليه الرحمة، فلما دخلت الروح في عيني آدم عليه السلام، فنظر إلى ثمار الجنة فلما وصلت الروح إلى جوفه اشتهى الثمار، وقبل وصول الروح إلى رجليه اشتهى اطعام فوثب، وقبل بلوغ الروح رجليه تعجل إلى ثمار الجنة. ومسح الرب على ظهر آدم فخرج من ظهريه ذريته إلى يوم القيامة.

الله يأمر الملائكة وإبليس بالسجود لآدم

ولما خلق الله آدم أمر الملائكة وإبليس بالسجود إلى آدم وكان آدم في منزلة الملائكة ولم يكن منهم، يقول الله: " ولقد خلقناكم وصورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين".

ولما عصى ابليس رد عليه الله بعقوبة اخراجه من الجنة: " قال فاهبط منها فما لا يكون لك ألا تتكبر فيها إنك من الصاغرين. قال انظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين. قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتيانهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال اخرج منها مذمومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملئن جهنم منهم أجميعن".

المعصية الأولى في العالم كانت لـ إبليس

وفي آيات أخرى يحكي الله عز وجل رد فعل ابليس حينما خلق الله آدم وأمر بالسجود له : " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)".

آدم كان عالما وأكثر علما من الملائكة

لما وقف آدم بعد نفخ الروح فيه قال الله تعالى له ائت هذا النفر من الملائكة فذهب إليهم وقال ( السلام عليكم ) وكان يتحدث اللغة العربية، فقالوا وعليك السلام ورحمة الله، فقال الله له عز وجل هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم.

وفي القرءان الكريم يثبت أن آدم كان رجل عالمًا : "  وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)".

يعني أن الله عز وجل عرض الكائنات على الملائكة وسألهم عن اسماءها فلم يعرفوا، فأجاب آدم عليه السلام بالعلم الذي أعطاه الله له، وبالتالي أكد الله لهم أن آدم أعلم منهم وأكرم منهم وكان السجود له سجود تكريم وليس سجود عبادة.

آدم يعيش في الجنة وحيدًا فيخلق الله له حواء

عاش آدم عليه السلام في الجنة ولكنه شعر بالوحدة، واصابه الضجر وفي أحد الأيام بينما هو نائم أخذ الله سبحانه وتعالى ضلعا من أضلاعه من جهة اليسار فشكل منه أول أنثى بشرية وهي حواء، فلما أفاق آدم عليه السلام وجد بجواره حواء فسألها : " مَن أنتِ ؟ " فقالت: " امرأة"، فقال : " لما خلقتِ ؟ " قالت : " لتسكن إليّ".

فسأل الملائكة آدم: " ما اسمها ؟ " فقال : " حواء "، قالوا: " لما سميت حواء؟ " قال لأنها خلقت من شيء حي.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج".

وحواء كانت أجمل امرأة خلقت من النساء في العالم أجمع.

وسواس ابليس لـ آدم من أجل معصية الله

سكن ادم عليه السلام الجنة وأتاح له بأن يأكل ويعيش حياة مترفة هو وزوجته حواء لكن محظور عليهما تناول شجرة معينة، وحذر الله سبحانه وتعالى آدم من أن ابليس عدو له ولزوجته ويريد أن يخرج آدم وحواء من الجنة التي لا يجوع فيها ولا يعرى، ولا يعطش ولا حتى بمقدمات العطش.

وعندها بدأت وسوسة ابليس لآدم، وكان مسموح لإبليس أن يدخل الجنة من أجل الوسوسة، وهذه الوسوسة تمت بأن يطمعهما بأن هذه الشجرة هي شجرة الخلد والملك، ولما أكلا من الشجرة سقطت ملابسهما وظهرت عوراتهما، واستحى آدم واستحت حواء فالتعري يخافه بنو البشر، فأسرعا يقطعون ورق الجنة ويضعونه على جسمهما وفر آدم وبدأ يجري، وهنا ناداه الله  عز وجل وقال له : " يا آدم أتفرّ مني ؟ فقال لا يا رب ما فررت منك ولكن استحياء أن تراني بهذا الحال عاري وعاصي".

حواء تأكل من الشجرة أولا وتطمع آدام

وأول من أكل من الشجرة حواء وهي من طمعت آدم ليأكل من الشجرة ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام : " لولا حواء لم تخن أنثى زوجها"، فهي التي جعلته يعصي.

وقال لهما الله أنه نهاهما عن أكل تلك الشجرة، فاستغفروه فغفر لهم بعدما قالوا : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"، لكن قرر أن ينزلوا الأرض ويعيشون فيها.

وآيات القرءان الكريم تشرح ذلك:

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)

نزول آدم وحواء إلى الأرض في الهند

نزل آدم في الهند ونزلت حواء في جدة واجتمعا في عرفات بمكة المكرمة ثم بث الله عز وجل البشر، ويروي الطبري أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدًا في كل بطن ذكر وأنثى، أولهم قابيل وأخته كليما، وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث.

وبدأ البشر يكثرون ويتناسلون وكان نبيهم آدم عليه السلام هو كان الذي يعلمهم الدين وكانوا جميعهم موحدين فكان الناس أمهم واحدة ولم يكن بهم أي مشرك.

يقول النبي أن أول الرسل آدم، ونبي مرسل خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم كلمه قبُلا ( أي بدون واسطة أو وحي).

وحينما هبط آدم من الجنة إلى الأرض علّمه صنعة كل شيء بالتالي نزل عالما ومكسي ويعرف طرق الصناعة الرئيسية ( صناعة الحديد والنار والخشب والمنسوجات وغيرها ) من أول الخلق على عكس ما يقوله البعض.

عمر ادم عليه السلام

عاش آدم ألف عام ورأى من أحفاده أعداد هائلة قد تصل إلى 400 ألف، ومن أوائل أبناء آدم قابيل وذكر الله سبحانه وتعالى قصة قابيل مع أخيه هابيل في كتابه الكريم.

قصة قابيل وهابيل ولد آدم عليه السلام

والقصة أن قابيل كان في طبعه خشونة وشدة وأما هابيل فكان فيه ليونة ورقة وكان قابيل يعمل في الزراعة أما هابيل فكان يعمل في رعي الغنم وهذه المسألة تحتاج رحمة وعاطفة بالحيوان، وكانت البشرية محتاجة إلى قانون مختلف لتتناسل، فاليوم محرم الزواج من الأخت لكن وقت آدم الأمر كان مختلف.

فالشريعة وقتها كان قابيل يتزوج أي أخت من أخواته إلا التوأم التي ولدت معه، وكذلك هابيل كان متاح له الزواج من أي أخت من أخواته إلا التوأم، وكانت أخت هابيل مقربة إليه لكنها كانت أقل جمالا من أخت قابيل فما أحب قابيل أن يزوج أخته الجميلة لأخيه وكان يريد أن يتزوجها ولكن كان ذلك محرم وشدد آدم على ذلك فكان آدم نبي رسول له شرع وقوانين.

فغضب قابيل من شريعة آدم وكان هناك شريعة تقديم القرابين وهي كانت هدية تهدى إلى الله سبحانه وتعالى وهي ذبيحة توزع على الفقراء أو الطيور، وكانت لهم علامة بقبول القربان وهو أنه تأكله النار والذي لا تأكله النار غير مقبول ( أي تأتيه صاعقة أو لا تأتيه).

وفي يوم تقديم القرابين اختار هابيل أفضل المواشي عنده وقدمه قربان لله سبحانه وتعالى، أما قابيل فجاء بزرع نتن وقدمه قربانا فلما جاءوا في اليوم الثاني وجدوا أن قربان هابيل قد قبل وقربان قابيل لم تمسه النار فازداد حنق قابيل على هابيل، وسوس له الشيطان فقال له اقتل أخاك، فعزم على ذلك.

أول جريمة قتل في التاريخ البشري

فذهب قابيل إلى هابيل وقال أنا سأقتلك فرد عليه هابيل وقال إنه لو قتله لن يقتله ولن يدافع وستكون مع آثامك التي تفعلها ستزداد اثما بقتلك لي فتتحمله، وفعلا في ليلة سوداء بينما كان هابيل نائما جاء قابيل بصخرة فهشم بها رأس أخيه.

احتار قابيل ماذا يفعل بأخيه لأنها كانت المرة الأولى التي يموت فيها أحد من بني البشر، ثم حمل جثة هابيل على ظهره وبدأ يمشي ولا يعرف ماذا يفعل؟ وبينما هو كذلك إذ أنزل الله سبحانه وتعالى غرابين فتقاتلا الغرابان فقتل أحدهما الآخر ومات الغراب أمام نظر قابيل ثم الغراب الحي بدأ يحفر بالتراب ودفع بجثة الغراب الميت ودفع عليه التراب، فتعلم قابيل من التراب كيف يدفن أخاه، فحفر في الأرض ووضع هابيل في التراب ووضع عليه التراب.

وأصبح قابيل نادمًا كيف فعل ذلك ولم يستغفر الله سبحانه وتعالى، والتوبة النصوح تحتاج طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى.

القصة مذكورة في سورة المائدة: " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)".

قابيل يهرب مع زوجته بعيدا عن آدم

بعدما قتل قابيل هابيل هرب من أبيه آدم وأخذ زوجته وعاش في السهول، وكان آدم يعيش بالقرب من الجبال.

وانقطع قابيل عن آدم وبدأت تتناسل ذريته وانتشرت بينهم الفواحش، وما عبدوا إلى الله لكنهم خالفوا التعاليم التي يقولها آدم، وحل الفساد في بني قابيل.

وانقسم الناس صنفان أهل الشر ما قابيل وأهل الخير مع آدم وأبناءه وعاش آدم 960 سنة وكان عمره ألف سنة ولكن أخذ من عمره 40 سنة في أحاديث نبوية كثيرة صحيحة أنه لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها سبحانه من ذرية آدم إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل انسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال أي ربي من هؤلاء فقال هؤلاء ذريتك فرأى رجلا من بين هذه الذرية فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال أي ربي من هذا قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داوود قال ربي وكم جعلت عمره؟ قال ستين سنة قال أي ربي زده من عمري 40 سنة فالله بقدرته فعل ذلك، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت فقال لملك الموت أولم يبق من عمري 40 سنة قال أولم تعطها لابنك داوود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجحد فجحدت ذريته، ونسى  فنسيت ذريته وخطأ آدم فخطئت ذريته. أي أن آدم لم يفعل ذلك عمدا ولكنه نسى ولذلك سمى ( إنـسان ) لأنه كثير النسيان.

وفاة آدم عليه السلام

ومات آدم عليه السلام ولقصة دفنه قصة ذلك أنه قبل أن يموت عهد إلى شيث ابن آدم الذي رزقه الله سبحانه وتعالى بعد مقتل هابيل، وشيث معناها هبة الله، بعدما حزن عليه ادم حزن شديد، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أنزل مئة صحيفة وأربعة صحف ( أي عدد الصحف المرسلة من الله 104 ) أنزل منها على شيث 50 صحيفة ( يقصد شيث ابن آدم وكانت بها شرائع وتنظيم ) وعلم آدم شيث معظم العلم الذي عنده لكن لم يستطع الحصول على جميع العل.

الملائكة تغسل آدم وتكفنه وتدفنه

وفي الحديث النبوي : " إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه قبل أن يقبض أني اشتهي من ثمار الجنة قال فذهبوا يطلبون له فاستقبلتهم الملائكة ومعهم الأكفان والحنوط ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل ( يعني ادوات الدفن وتجهيز الميت ) فقالوا لهم يا بني آدم ماتريدون وما تطلبون فقالوا أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم ارجعوا فقد قضى أبوكم ( يعني حان وقت وفاته) فلما رأتهم حواء عرفتهم، فلاذت لآدم فقال إليكِ عني فإني إنما أوتيت من قبلك، خلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل فقبضه ملك الموت وغسلته الملائكة".

وصلى الملائكة على آدم صلاة الجنازة ودفنته ثم حثوا عليه التراب ثم قالوا لبني آدم يا بني آدم هذه سنتكم.

ومات آدم عليه السلام بعد حياة كلها طاعة لله عز وجل ولم يعصاه إلا مرة واحدة حينما أكل الشجرة ولم يعص الله غيرها أبدًا طيلة حياته على الأرض 960 عاما، وهو أسوة وقدوة.

حواء تموت بعد وفاة آدم بعام واحد

إدريس علية السلام

بعد وفاة آدم عليه السلام تولى ابنه شيث الحكم في الأرض بالعدل والخير لكن انتشر الفساد في السهول عند قوم قابيل ابن آدم وانتشرت الجرائم ومنها القتل بدءوا يقتلون بين أنفسهم ويقتلون من القوم الذين يأتون من الجبال من بني آدم الآخرين فانتشر الفساد.

أبناء آدم يختلطون بأبناء قابيل العصاة

جاء هذا فيما يرويه ابن عباس رضى الله عنه حينما تلى قول الله عز وجل : " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " قال إن بطنين من ولد آدم ( يعني قوم قابيل والذين بقوا مع آدم من أولاده ) كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبال وكان رجال الجبال صباح الوجوه، وفي النساء دمامة ( يعني اقل جمالا) وكان نساء السهل جميلات وفي الرجال دمامة وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام فآجر نفسه منهم ( أي بدأ يعمل مع رجل من قوم قابيل) وكان يخدمه وبدأ هذا الغلام ( ابليس ) يعلمهم المعازف والأغاني فاتخذ ابليس لعنة الله عليه شيئًا مثل الذي يزمر فيه الرعاة فجاء به بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حولهم ( أي بدأت أًصوات الأغاني تصل للناس في الجبال ) فانتابوه يسمعون إليه واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة.

وفي يوم العيد تتبرج النساء للرجال فجماعة الجبال بدءوا ينظرون لجمال النساء فأغرتهم فبدأ بعض الرجال من الجبال يتسللون ويذهبون إلى السهول وكانت من شريعة شيثابن آدم، تحريم الاختلاط بابناء وبنات قابيل، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم، فرأى النساء وصباحتهن فرجع وأخبر أصحابه فكلهم أرادوا النظر إليهن فبدءوا يتحولون إليهن ونزلوا عليهن وهن متبرجات في يوم العيد فظهرت الفاحشة فيه، وهو الزنا وهذه بداية الزنا.

يقول ابن عباس فهذا تفسير قول الله تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ).

بعثة نبي الله ادريس عليه السلام

وانخفضت جماعة شيث وازدادت جماعة قابيل إلى أن جاء نبي الله ادريس عليه السلام أحد أحفاد شيث. ولقد ولد ادريس في حياة آدم وأدرك من حياة آدم 120 سنة، واصطفى الله ادريس بعد وفاة آدم وشيث نبيا ورسولا.

وفي الحديث هو أول نبي بعد آدم وشيث عليهما السلام، وكان أول من خط بالقلم وينشر الكتابة بين الناس.

وصف نبي الله ادريس عليه السلام

وجاء في وصفه كما يروي ابن كثير كان تام القامة حسن الوجه كث اللحية مليح الشمائل، عريض من المنكبين، ضخم العظام، قليل اللحم نحيف، براق العينين أكحلهما، متأنيًا في كلامه، كثير الصمت ساكن الأعضاء هاديء إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض، كثير الفكرة والتأمل في ملكوت الله، به حزن، وإذا ارتاب احتد يحرك سبباته إذا تكلم.

شريعة ادريس عليه السلام أول من شرع الجهاد

ظل ادريس عليه السلام على شريعة جده شيث وظل يضيف إليها لأنه رسول بأمر الله يشرع فلما رأى الفساد بدء ينتشر وبدأ هؤلاء يعتدون على المؤمنين الصالحين عندها شرع الجهاد، فكان أول من قاتل في سبيل الله وأول من غنم وسبا في سبيل الله.

وجهز جيشا بالخيول والمشاة وهجم على قوم قابيل وهزمهم وسبا منهم وبدأت المعارك بين الحق والباطل وبين الشر والخير.

وفاة ادريس في السماء الرابعة

ولم يذكر لنا كثير ذكر عن ادريس عليه السلام إلا أن الله أشار إليه اشارة في كتابه الكريم في سورة مريم : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا

وفي الحديث الشريف: قبضت روح ادريس في السماء الرابعة بعدما صعد مع احد الملائكة إلى السماء.

وقد روى ابن جرير في تفسير هذه الآية فقال : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعبا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله - عز وجل - لإدريس : ( ورفعناه مكانا عليا ) فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم، فأحب أن يزداد عملا فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحى إلي كذا وكذا ، فكلم لي ملك الموت، فليؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه، حتى صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم ملك الموت منحدرا، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ فقال: هو ذا على ظهري.

قال ملك الموت: فالعجب! بعثت وقيل لي: اقبض روح إدريس في السماء الرابعة " . فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة ، وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك.

وفاة ادريس عليه السلام

ومات ادريس عليه السلام ولم يبعث نبي وترك البشر على شريعة شيث وشريعة ادريس وشريعة آدم وانتشر الفساد وبدأ الناس يزدادون في فسادهم لكنهم ظلوا على التوحيد ولم تنتشر بينهم الأصنام، وظلوا على التوحيد ألف سنة بعد وفاة آدم عليه السلام، وهذا قول الله عز وجل ( كان الناس أمة واحدة ) إلى أن بدأ الناس يعبدون الأصنام.

نوح عليه السلام

بعد وفاة ادريس عليه السلام، بدء الناس يزدادون في فسادهم ولكن ظلوا على التوحيد ولم ينتشر بينهم الأصنام، وظلوا على التوحيد ألف سنة بعد وفاة آدم، وكان فيهم الفساد والفسوق والفجور.

كيف بدأ يعبد البشر الأصنام؟

وبدأ الناس يعبدون الأصنام، بعد وفاة ادم بالف سنة ووفاة شيث وادريس، وكان هناك بعض الصالحين من الرجال وكان الناس يتقربون إليهم لكنهم يفجرون.

وكان هناك أشخاص صالحة معروفة في هذا الزمن هم:

  • ودا.
  • سواع.
  • يعوق.
  • نسرا.

وهؤلاء الرجال كانوا من قوم نوح عليه السلام قبل بعثته، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم بأن ينصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا ( علامة حجرية ) وسموا الحجر بأسمائهم حتى لا ينسون الصالحين ومواعظهم، ففعلوا ذلك، فهذا حجر ود، وهذا حجر سواع، ويعوق، ونسروا وفعلوا ولم تتم عبادتها وظل الناس على التوحيد فلما مات هذا الجيل الذين يعرفون قصة هذه الأحجار وجاء الناس الذين كانوا يتبركون بها ويتمسحون بها، وانتسخ العلم وزال عُبدت تلك الأصنام.

وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح صارت في العرب فيما بعد، فورثها العرب فيما بعد، وانتشر الشرك وصار هو الأصل حتى ما عاد في البشر موحد كُلهم أشركوا وكفروا إلا نوح عليه السلام بقى هو وحده على التوحيد.

من هو نبي الله نوح؟

نوح هو حفيد ادريس وكان معمرًا حيث عاش أكثر من ألف سنة وخلال ذلك الوقت انتشر الكفر والشرك وعندها بعث نوح عليه السلام رسول.

وكان بين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مئة سنة، أي ألف سنة بعد آدم كلها كانت على الاسلام ثم انتشر الكفر، واختفى التوحيد وعبادة الله الواحد.

بعثة نوح عليه السلام

بدأ نوح عليه السلام الرسول ينذر قومه بأنه سيأتي عذاب أليم فذهب إليهم يحثهم على عدم الشرك بالله، ويعفو عنهم من العذاب وذهب إليهم في البيوت والاجتماعات والليل والنهار، ويكلمهم جماعات وأفراد لمدة خمسين عاما، وبعد ذلك دعا ربه وقال له أنه دعا قومه ليل ونهار، وفروا منهم، وكلما دعاهم كانوا يسدون أذانهم بأصابعهم، ويغطون انفسهم بالثياب، واستكبروا على هذه الدعوة الجهورية والسرية أيضا، ونصحهم بأن الايمان بالله سيفتح لهم باب الرزق ويريحهم بالأموال والبنين والحدائق لكنهم رفضوا ورفض ملك كافر في وقت نوح واتبعوه لأنه رافض دعوة سيدنا نوح عليه السلام، فدعا الله عليهم وعلى ملكهم.

يقول الله في سورة نوح:

إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24).

نوح عليه السلام يتبعه البعض ويخالفه الملك الكافر وقومه

ووجد الملك الكافر في عهد نوح عليه السلام أن هناك حوالي 80 رجلا وامرأة فقط اتبعوا دعوة نوح عليه السلام بعد دعوة إلى الله.

ولاحظ الملك الكافر أن أتباع نوح من الذين ليس لهم شيئًا، فأخذ يعرض على نوح عليه السلام أرضا بشرط أن يسمح للناس يكلموه ويدعوهم، بشرط قبل الحديث معه واتباع دعوة نوح أن يطرد المساكين والفقراء لأنهم قوم لهم مكانتهم في المجتمع.

الملك الكافر يطلب بطرد المؤمنين الفقراء الذين مع نوح

فجاء هذا الشرط في كتاب الله عز وجل وجاء رد نوح عليه السلام في سورة ( هود)

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ.

وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)

قوم نوح يرفضون دعوته بعدما رفض طرد المؤمنين البسطاء

وتحدى نوح قومه بأن يقتلوه أو يفعلوا معه شيئًا لكنهم تركوه ووصل الأمر إلى أن الناس لم تدخل في الايمان ومرت مئات السنين ولم يؤمن أحد وظل نوح يدعوا فيهم ولا يستجيب له إلا قليل

يقول الله في سورة يونس:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ (71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73).

الوحي يأتي لنوح عليه السلام بنزول العذاب

وأوحى الله لنوح عبر سيدنا جبريل عليه السلام بأنه لن يؤمن له أحد من بعد دعوته، وأن هناك عذاب الفيضان قادم لهم.

وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37).

نوح يدعوا على قومه من الكافرين بالموت

في سورة نوح :

قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)

نوح عليه السلام يوحى اليه بصنع السفينة

وأوحى الله عز وجل لنبي الله نوح يعلمه كيف يصنع السفينة الهائلة العظيمة الضخمة، والتي استغرق بناءها في 100 سنة وكان يزرع الشجر وهو يبني ليستفيد من الخشب وكان بناها على جبل لأنه كان يعيش في الجبال.

وجاء الوحي يساعده، وأبلغه أن الله غضب على قومه وسيتم اغراقهم وممنوع المخاطبة، وجاء بالحديد وصنع منه المسامير بوحي من الله مباشرة.

وبدء القوم يستغربون حيث توقف نوح عن الدعوة وبدأ يصنع سفينة فبدءوا يسخرون منه يقولون : " يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيًا"، " يانوح سفينة على جبل إنك مجنون"، وبدأت السخرية وذكرت هذه السخرية في القرءان يقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود:

وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ".

وصف سفينة نوح عليه السلام

رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول نجر نوح السفينة بجبل دور ومن ثم ظهر الطوفان كان طولها 300 ذراع بذراع جد أبي نوح ذكرنا في وصفهم كيف آدم طول 60 ذراع في السماء ، طول السفينة 300 ذراع من أذرع جد أبي نوح يعني من أذرع آدم فتخيلوا طول هذه السفينة يقدرونها بأكثر من كيلو و عرضها 50 ذراعا هذا طولها و هذا عرضها أما ارتفاعها ، عمقها و طولها في السماء 30 ذراعا و كانت مطبقة ما هي سفينة عادية السفينة العادية مفتوحة من فوق أما سفينة نوح فمغطاة من فوق لأن المطر كان يأتيها حتى لا تغرق ليس فقط من تحتها و إنما أيضا من فوقها من فوق كان مغطى فكأنها كرة مغطاة من فوق و من تحت بها ثلاثة أبواب بعضها أسفل بعض ثلاث طوابق كل طابق له باب ثلاث أبواب كل باب فوق باب.

هذا وصف ابن عباس رضي الله عنه عن السفينة ، هذه السفينة موجودة اليوم و الله سبحانه و تعالى ذكر أنه سيتركها لن تتحطم يقول الله سبحانه و تعالى  و لقد تركناها آية فهل من مُّدَّكِر( {القمر 15} في هذا القرن استطاع العلماء أن يجدوا سفينة نوح و قد انقسمت نصفين سفينة مبنية بالطريقة التي وصفناها بالوصف الذي وصفناه مغطاة من فوق ثلاثة طوابق على جبل في تركيا و في فيلم فيديو يصور هذا الاكتشاف و موجودة هذه الآية من الله سبحانه و تعالى : )و لقد تركناها آية فهل من مدكر( {القمر 15} هل من يتذكر و يعترض فهكذا كان وصف السفينة.

طوفان نوح والعلامة

ثم جاء الطوفان الله سبحانه و تعالى أعطى علامة لنوح هذه العلامة قال إذا ظهرت العلامة احمل المؤمنين و أحمل اهلك و أحمل من كل زوج من الدواب التي تعيش على الأرض اثنين هذه العلامة أن يثور التنور اختلف المفسرون في التنور بعضهم قال التنور ينابيع تخرج من الأرض لكن أرجح الروايات التنور هو مكان صنع الخبز كما نعرفه مكان النار.

و كان لنوح عليه السلام في بيته تنورا فقال له الله سبحانه و تعالى إذا خرج الماء من التنور ) احمل فيها من كل زوجين إثنين ( {هود 40} يقول الله سبحانه و تعالى ) حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين إثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ( {هود 40} على أكبر رواية 80 شخص و في روايات أخرى أنهم 10 فقط.

وفعلا في يوم من الأيام رأى نوح العلامة بدأ الماء يخرج من التنور فتوجه فورا إلى السفينة على الجبل بعيدا عن الناس كانت سفينته على الجبل قرب القرية التي هو فيها وإذ حيوانات الأرض، دواب الأرض مصطفة حول السفينة تنتظر الأمر بالركوب من كل زوجين اثنين أتى بها الله سبحانه و تعالى من أنحاء الأرض بأمر الله جاءت إلى السفينة واصطفت تنتظر الركوب.

وركب نوح عليه السلام وبدأ يحمل هذه البهائم والحيوانات والطيور ويوزعها في هذه السفينة.

نوح عليه السلام يركب السفينة هو والمؤمنون والحيوانات

فلما ركبوا في السفينة و الآن جاء الأمر بهلاك بمن فيها و ما فيها جاء الأمر بفتح أبواب السماء و الأرض يقول الله سبحانه و تعالى ) ففتحنا أبواب السماء ( {القمر11} ما هو مطر أبواب ) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا  {القمر 11-12} كل الأرض انتشرت فيها العيون فالتقى الماء الذي يأتي من السماء مع الماء الذي يأتي من الأرض ) فالتقى الماء على أمر قد قدر {القمر 12} محسوب بالضبط كمية الماء التي تنزل مقدرة تقديرا من الله سبحانه و تعالى.

وبدأ الفرق بالناس و الدواب و الحيوانات كل بدأ يغرق يقول الله سبحانه و تعالى: ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنَّا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين  {الصافات 75-82}.

غرق قوم نوح العصاة

الكل غرق "إنَّا لَمَّا طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة و تَعِيَهَا أُذُنٌ واعية" {الحاقة 10-11} وازداد الماء و ازداد و غرقت المدن و القرى ، غرق البشر إرتفع الماء حتى صار كما في الوصف إرتفع حتى صار أعلى من أعلى جبل على الأرض بـ 15 متر حتى الجبال غرقت وصف الله تعالى لعظمة الماء الذي كان في الطوفان بقوله تعالى : وهي تجري بهم في موج كالجبال {هود 42}.

وهي أي السفينة الموج صار بارتفاع الجبال ركب نوح عليه السلام في السفينة فأول ما بدأ الماء تحتها ورفعها بدأت تتحرك.

وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم {هود 41} ارحمنا بهذه السفينة و جاءه وحي الله سبحانه و تعالى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين  {المؤمنون 28-29}.

الله سبحانه و تعالى وعد نوح أنه سينجيه و أهله وفعلا كل أهل نوح كانوا معه إلا ابنه.

زوجة نوح الكافرة ماتت وبقيت معه زوجته المؤمنة

زوجته كانت معه أما زوجته الكافرة التي ذكرها الله سبحانه و تعالى في القرآن : (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) {التحريم 10}.

هذه الزوجة الكافرة كانت قد ماتت أما التي كانت معه في السفينة فكانت مؤمنة فتلك قد ماتت و أبدله الله سبحانه وتعالى خيرا منها فزوجته كانت معه في الفلك.

كنعان ابن نوح يرفض ركوب السفينة مع أبيه

وكل أولاده كانوا معه في السفينة إلا واحد من ابناءه يسمى كنعان كان كافر فناداه نوح عليه السلام: (ونادى نوح ابنه وكان في معزل) {هود 42} بينه و بين السفينة مسافة ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) {هود 42-43} ما زالت الجبال لم تتحطم ما زال الأمر في بدايته الآن ما أريد أن أركب معك، فيه جبال قريبة سأسبح لها و أركب عليها فقال له نوح : ( قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) {هود 43} ثم جاءت موجة عظيمة فبلغت ابن نوح.

نوح يدعوا ربه بأن ينجي ابنه

( وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) {هود 43} نوح عليه السلام عنده وعد من الله سبحانه و تعالى أن ينجي أهله و هذا واحد من أولاده غرق و بدأ ينادي الله عز و جل ) ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإنَّ وعدك الحق( {هود 45} أنت وعدتني أن تنجي أهلي ( و أنت أحكم الحاكمين) {هود 45}.

الحكم إليك هو الآن يستفسر لا يعترض يستفسر إن ابني من أهلي و وعدتني أن تنجيهم ) إنَّ ابني من أهلي وإن وعدك الحق و أنت أحكم الحاكمين) {هود 45} أسلم أي شئ تحكم به يا رب فأنت حكيم.

( قال يا نوح إنه ليس من أهلك ) {هود 46} انقطع النسب بالكفر ، الكفر يقطع الأنساب علاقة المؤمن بالمؤمن أكبر من علاقة الأخ بأخيه الكافر فالأخوة الحقيقية هي التي تبنى على الإيمان أما الكفر فيقطع الوشائج والأنساب.

الله يرفض العفو عن ابن نوح الكافر

( قال يا نوح إنه ليس من أهلك) {هود 46} ما قال إنه كافر قال إنه ليس من أهلك لأنه كفر فقطعت الصلة لذلك عندنا الكافر لا يرث المؤمن تنقطع الصلات ( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) {هود 46} ما قال إنه عمل عملا غير صالح هذا الولد كان من الكفر و الفجور صار مثالا للعمل غير الصالح حتى صار هو عمل غير صالح.

(إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ) {هود 46} يكفي الله سبحانه و تعالى نهاه من ذلك.

(إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تَسْأَلَنِّ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) {هود 46}.

أتخطأ هذا الخطأ أتنسى أن العقيدة هي أساس العلاقات فعندها فورا تاب نوح عليه السلام و أناب.

(قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) {هود 47}.

جميع الكائنات تموت في فيضان نوح إلا من نجاها الله

نوح ما عصى الله تعالى أبدا و لا يعد على نفسه معصية إلا هذه أنه سأل الله سبحانه و تعالى في ابنه و لم يكتفي بحكم الله في ذلك و صارت السفينة في موج كالجبال.

وغرقت الأرض وماتت الحياة البشرية وحياة الدواب والحيوانات والطيور كلهم ماتوا ما عدا الحيوانات البحرية عاشت أما الباقي كله مات و لم يبقى حي من الحيوانات والدواب والبشر إلا من كان في السفينة.

وظلوا في رواية ابن عباس، ظلوا في السفينة ستة أشهر وفي روايات كثيرة أنهم نزلوا منها في يوم عاشوراء يوم العاشر من محرم روايات كثيرة تشير إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم صام ذلك اليوم لأنه اليوم الذي نجى فيه الله تعالى من الغرق نوح ومن معه.

ماذا بعد نهاية الطوفان الذي أغرق قوم نوع الكافرين ؟

وانتهى الطوفان بأمر من الله سبحانه و تعالى (وقيل يا أرض أبلعي ماءك ) {هود 44} فبدأت الأرض تبلع الماء و بدأ الماء ينخفض (وغيض الماء) {هود 44} انخفض الماء (وقيل يا أرض أبلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي) {هود 44} رست على جبل الجودي ما رست في وادي، في شاطئ رست على جبل.

(واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ) {هود 44} و جاء النداء لنوح عليه السلام (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ) {هود 48}.

أمم أمة البشر وأمة الأسود (أمم وأمم سنمتعهم) ({هود 48} و من ذريتك سيأتي أمم يكفرون ( وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) {هود 48}.

إقرأ أيضاً: معجزة سيدنا نوح عليه السلام

حمامة السلام وغصن الزيتون

جاءت روايات كثيرة يشير إلى أن نوح عليه السلام بطول المدة التي قضاها في السفينة ست أشهر مدة طويلة فكان يرتضي أن يذهب الطوفان فكان يرسل الحمامة و ترجع و ليس معها شئ فيرسلها و ترجع و في يوم من الأيام أرسلها فرجعت بغصن زيتون فعرف أن الماء نزل وبدأت الأشجار تظهر ثم أرسلها مرة أخرى فرجعت و في قدميها آثار الطين معناها وقفت على الأرض فعرف أنه انتهى الطوفان ومن هنا هذا موجود عندنا في كتب السير يقول حمامة السلام وغصن الزيتون من هنا جاءت الإشارة لذلك.

نوح يستوطن الأرض هو والمؤمنون

ونزل نوح عليه و ليس من بني آدم حي إلا الذين معه و كل البشر في كل الأرض غرقوا طبعا الأرض في ذلك الوقت ما انتشر فيها البشر إلا في المنطقة هذه في جزيرة العرب وفلسطين ومن حولها فقط هذه المناطق التي كان فيها البشر أما باقي الأرض ما كان فيها بشر لكن كلها غرقت.

اصابة قوم نوح المؤمنين بالعقم

ثم إن الله سبحانه و تعالى القوم الذين مع نوح كلهم جعلهم عقيمين لا يولد لهم أحد و لم يولد إلا لنوح و زوجته والباقي عقيمين ثم ماتوا وانتهوا ولم يبقى على الأرض إلى اليوم إلا ذرية نوح ولذلك سمي نوح آدم الثاني و يسمى أبو البشر الثاني لأن جميع البشر ينتسبون إلى نوح عليه السلام.

أبو البشر الثاني نوح عليه السلام

وهذا مذكور في القرآن (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين) {الصافات 75-77} هم الذين بقوا و في الآية الأخرى ذريته لما الله سبحانه و تعالى يتكلم عن الرسل و الأمم.

( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) {الإسراء 3}.

أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث

كان لنوح ثلاثة أولاد سام و في أولاد سام بياض و قليل من السواد سمرة لكن فيهم البياض على السمار و حام و في ولد حام سواد و شئ من البياض أكثرهم بالسواد و يافث و فيهم الشقرة و الحمرة.

العرب من ذرية سام و كذلك بني إسرائيل، الأفارقة من ذرية حام والأتراك و أهل الشرق وآسيا وأوروبا هؤلاء من ذرية يافث.

عاش نوح عليه السلام بعد الطوفان 350 سنة ، 350 سنة بعد الطوفان في عبادة الله عز و جل ( كان عبدا شكورا ) {الإسراء 3} كما وصفه الله سبحانه و تعالى. جاء في الحديث عن ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه و سلم يصف صيام نوح قال كان نوح يصوم الدهر إلا في الأعياد.

يوم العيد كان يفطر وباقي الأيام كلها كان صيام ، ومات نوح عليه السلام و دفن في أرجح الروايات، دفن بمكة وبعض الروايات تشير أنه دفن في كرك البقاع في لبنان في كرك البقاع، حياة البشر بعد نوح قصة هود عليه السلام وصالح عليه السلام وما جاء بعدهما.

هود عليه السلام

بعدما نجا الله نبي الله نوح وقومه وأنزلهم على الفلك، ولم يبق سوى ذرية نوح عليه السلام ومن بين ذرية نوح كان سام وينتسب إليه العرب وينتسب إليه بنو اسرائيل، ومن أحفاد سام جاء سيدنا هود عليه السلام.

هود ابن سام ابن نوح وقومه هم عاد

فهو هود ابن عبد الله بن رباح بن عاد بن عوث ابن ارم ابن سام ابن نوح عليه السلام، ومن هنا يسمى قوم هود عاد، وأيضًا يسمون إرم لأنهم أجداد هود عليه السلام.

وقوم عاد كانوا يسكنون منطقة اسمها الأحقاف وهذا مثبت في سورة الأحقاف نسبة للمكان الذي كانت تسكنه عاد، والأحقاف تعني جبال الرمل وكانت في اليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر في اليمن.

يقول الله سبحانه وتعالى: " واذكر اخا عاد إذ أنذر قومه في الأحقاف" ويعني هود في مكانهم بالأحقاف.

عجائب قوة قوم هود عاد

وكانوا يتفنون في صناعتهم بمساكنهم وكانت أحب المساكن إليهم الخيام، لكنها لم تكن خيام عادية ولكن خيام ضخمة جدا يتفنون بها ويتفاخرون بها.

وقال الله عنهم: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد؟ ارم ذات العماد " العماد يعني العواميد الضخمة التي كانت بخيامهم.

يقول الله عن تفننهم وصناعتهم : " ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد".

حيث تفننوا في الصناعة والمساكن والشوارع حتى كانت تروى عنهم العجائب فكانت لهم مساكن السهول يسكنون في الخيام وكانوا يصنعون القصور في الجبال، مع أنهم كانوا يسكنون السهول لكن عبث ولعب.

وكانت لهم شوارع ضخمة في مدنهم حتى يبالغ بعض الرواة أن أسوارهم كانت من ذهب وفضة، والله أعلم.

لكن بالتأكيد الذي جرى في عاد لم يجر في أي مكان آخر، " لم يخلق مثلها في البلاد " بلغوا من الحضارة والصناعة الشيء الهائل العظيم.

عاد كانوا قوم من العرب العاربة

وكانوا عربا أي يتكلمون اللغة العربية وهود عليه السلام عربي. جاء ذلك في حديث يرويه ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث أبا ذر عن الأنبياء فقال في الحديث: " منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر".

والعرب الذين جاءوا قبل اسماعيل عليه السلام يسمون العرب العاربة ومن أشهرهم عاد وثمود وجرهم وأميم ومدين وقحطان وغيرهم هذه أشهر القبائل العربية العاربة الذين جاءوا قبل اسماعيل عليه السلام.

أما العرب المستعربة الذين جاءوا بعد اسماعيل عليه السلام من ذرية اسماعيل عليه السلام، واسماعيل لم يكن عربي ولكنه كان كنعاني لكنه لما وضعه أبوه في مكة وخالط العرب فصار منهم وصار من أفصحهم حتى يقولون كان أفصح العرب ومنهم جاءت فصاحة العرب وفصاحة النبي صلى الله عليه وسلم.

قوم عاد أول من عبدوا الأصنام بعد وفاة نوح

بعد نوح والطوفان والقضاء على البشر في كل الأرض بدء البشر ينتشرون من المنطقة التي سكنها نوح من شمال الشمال جنوب تركيا ومنها انتشر الناس في فلسطين والشام ومنها انتقلوا إلى الجزيرة وعاد وصلوا إلى جنوب الجزيرة.

والجميع كانوا موحدين إلى أن جاءت عاد وسوس لهم الشيطان مع تطاول المدة فبدءوا يعبدون الأصنام مرة أخرى.

فهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان قوم عاد، رغم أن الله أمدهم بالضخامة، وجاء ذلك في القرءان ويصفهم المفسرون أنهم بيض طوال ضخام، فآدم عليه السلام كان ستين ذراع في السماء، أما عاد فكانوا بهذا الطول تقريبا.

قوم عاد كانوا ضخام طولهم يصل لستين ذراعا

يقول الله عن ذلك في الكتاب: " واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".

عاد حكمت بعد نوح عليه السلام، وزادهم في الخلق بسطة اجسامهم ضخمة ووصف الله سبحانه وتعالى الحضارة والتطور العمراني على لسان هود حيث قال: " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ " الريع هو المكان المرتفع والآية المعجزة الشيء العجيب، فكانوا يصنعون القصور على رؤوس الجبال، فيقول لهم أنتم تسكنون السهول وتصنعون القصور على رؤوس الجبال من أجل اللعب.

"أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ". والمصانع قيل أماكن الصناعة وقيل عنها مآخذ المياه مصارف المياه وقيل عنها أنها  القصور الضخمة.

عاد تتكبر على البشر وتكفر بالله

" (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ" وصلت بهم القوة أنهم مسيطرين على كل البشر في ذلك الوقت.

" (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)" أي أنهم كانوا يمتلكون كل أسباب الحضارة والنعيم لكنهم لم يحمدوا الله سبحانه وتعالى.

يقول الله: " فأما عاد فاستكبروا بالأرض بغير الحق " أي لما وصل عندهم هذا الأمر وسيطروا على البشر بدءوا يتكبرون، بدلا من حمدالله عصوه ودائمًا الكبر هو أساس البلاء منذ معصية ابليس عليه لعنة الله.

بعثة نبي الله هود إلى قوم عاد

" وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون، قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين، أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم، واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوع وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".

ذكرهم بالنعم العظيمة لكنهم ضلوا وظل هود عليه السلام يدعوهم فقال لهم أنهم يعبدون الأصنام ويشركون بالله، وأمرهم بالاستغفار والتوبة حتى ينعم عليهم بالمطر ويزيدهم قوة إلى قوتهم.

فدعاهم ودعاهم وماذا كان رد عاد ؟

بدءوا يسخرون منه كما سخر قوم نوح من نوح فقالوا له أنت سفيه وقالوا له إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء يعني بعض الأصنام أصابك بالضرر، وقالوا لهم كذلك أنهم يكذبون بالآخرة بسبب ترفهم في الحياة الدنيا ( وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرًا مثلكم إنكم إذًا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين).

رفض عاد الابتعاد عن عبادة الاصنام بالاضافة لرفضهم الوعظ للعودة لدين الله

ووصلوا إلى مرحلة حيث قالوا : " قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين. إن هذا إلا خلق الأولين. وما نحن بمعذبين". فأصروا إصرار كامل على التكذيب ولما وصلوا لهذا الأمر تحداهم قال لهم : " قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون" نفس القولة التي قالها نوح لقومه، تحداهم بأن يجمعوا أنصارهم ولا تعطوني مهلة ( لا تنظرون) ثم دعا الله سبحانه وتعالى " قال ربي انصرني بما كذبون".

قال عز وجل: " عما قليل ليصبحن نادمين".

عقاب الله يحل على قوم عاد بالريح

كيف عاقب الله قوم عاد ؟ عذبهم الله سبحانه وتعالى بالريح، وهي رياح ليس كمثلها في التاريخ وانقطع عنهم المطر وبدأت الثمار تموت والأشجار تموت وبدءوا يطمعون في المطر ويطمعون وفي يوم من الأيام حينما أراد تعذيبهم الله إذ أقبلت سحابة سوداء عليهم.

فلما رأوا المطر عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا، جاءت الغيوم وفيها المطر.

يقول الله: " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم" دمرت الريح كل شيء ومصانعهم وما بقى عندهم إلا المساكن التي كانوا نحتوها في الجبال.

" كذلك نجزي القوم المجرمين" ووصف الله سبحانه وتعالى هذا التدمير بآيات كريمات فقال: " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " تفتت كل شيء فالرميم هو الرماد، التراب المكسر فدمرت كل شيء.

ويقول تعالى: " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر؟ إنا أرسلنا عليهم ريح صرصر في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر" أعجاز النخل: جذوع النخل، منقعر: ليس لها رأس أي نخلة بدون رأس.

كانت الريح تأخذ الواحد منهم على ضخامته فتطير به فتدقه في الأرض فينفصل رأسه عن جسمه ويترك جسدا بدون رأس " كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر".

"وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتيًا سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا" حسمت الأمر والحسم القطع أي قطعت الأمر قطعا " فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية".

ونجا الله سبحانه وتعالى هود، فكانت الريح تصيبهم كلهم إلا المكان الذي يتواجد فيه هود ومن معه، قيل كان في حظيرة ومعه بهائم وحيوانات، ومن آمن به وكل شيء حوله يتحطم ولم يمس المؤمنين شيئًا فسبحان القادر عز وجل.

فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) سورة الأعراف.

ويقول تعالى : وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ. ( سورة هود.

وكانت هذه نهاية عاد وعاش المؤمنون في هذا المكان ومات هود عليه السلام ودفن في حضر موت، ومرت الأيام وعاد الناس مرة أخرى إلى الكفر بوسوسة من إبليس اللعين، وجاء هذه المرة نبي الله صالح عليه السلام.

صالح عليه السلام

بعد وفاة نبي الله هود، ومرت الأيام رجعت الناس إلى الكفر مرة أخرى بوسوسة من ابليس اللعين الذي لا يترك البشر، وجاء هذه المرة نبي كريم آخر هو صالح عليه السلام.

صالح نبي عربي من أحفاد ثمود هو صالح بن عبيد ابن ايساف ابن ماشح ابن عبيد ابن حاذر ابن ثمود ابن عاد ابن ارم ابن سام ابن نوح.

وثمود من بني عاد، وترك ثمود اليمن وانتقلوا إلى شمال الجزيرة وسكنوا في منطقة اسمها الحجر وهذا اسم كريم لسورة أخرى في القرءان.

يقول الله سبحانه وتعالى: " وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)" سورة الحجر.

أصحاب الحجر من هم ؟

هم قوم صالح ثمود. سكنوا في مدائن صالح بالحجر وهي منطقة شمال غرب المدينة المنورة. 380 كم شمال غرب المدينة المنورة. ونحتوا لهم المساكن في الجبال، حيث ورثوا هذه الصناعة من عاد.

يقول الله: " وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) سورة الفجر. جابوا الصخر: يعني قطعوا الصخور.

ويقول الله: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) سورة العنكبوت.

قوم ثمود اشتهروا بنحت الجبال لتكون بيوت لهم

مساكنهم مازالت موجودة هؤلاء وهؤلاء والله ذكر كيف ينحتون الجبال بقوة عجيبة.

يقول الله عن قوم ثمود : وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) الأعراف.

فبعد عاد هم الذين حكموا وورثوا الأرض، ونفس طريقة عاد وكان الله أنعم عليهم كما أنعم على عاد لعلهم يتعظون مما حدث لعاد.

يقول الله على لسان صالح أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) سورة الشعراء - وهضيم يعني سهل الهضم أن الله أعطاهم نعمًا كثيرة.

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) سورة الشعراء

نفس طريقة عاد، كان لديهم سهول فيها البيوت وجبال بها القصور وجنات وعيون وجدد الله لهم التجربة وأعطاهم الفرصة لعلهم يتعظون مما حدث لعاد لكنهم كفروا بالله وما اعتبروا وما تعلموا الدرس وعبدوا الأصنام.

بعثة النبي صالح عليه السلام

بعث الله النبي صالح عليه السلام لقوم ثمود وكان حكيم وكانوا يستعينون به ويحتكمون له ولما طالبهم بعبادة الله الواحد رفضوا وقالوا يا صالح قد كنا فينا مرجوًا قبل هذا، أي كنا نتمنى لك شأن فظل يدعوهم وقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، وهذه دعوة كل الأنبياء.

وقال لهم الله انشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريبٌ مجيب.

وقال لهم لماذا تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون، فاتقوا الله ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

أي ذكرهم كما ذكر هود قوم عاد، لكنهم رفضوا وتساءلوا هل جاءه الرسالة من السماء من بيننا، واتهموه بالكذاب، وقالوا له أنت مسحور، وجاءوا للمؤمنين الذين آمنوا معه وسألوهم هل آمنتم بصالح قالوا " نعم " قالوا إنا باللذي آمنتم به كافرون، فظل صالح يدعوهم ويدعوهم ووصل بهم الأمر إلى أنهم بدءوا يطرودونه من بينهم.

قوم ثمود يطلبون من النبي صالح معجزة تدل على أنه نبي من الله

وقالوا له أنت شؤوم ابتعد عنا، فرد عليهم وقال لهم أنتم قوم تفتنون، فلما وصل الأمر إلى ذلك أنذرهم وقال : " يا قوم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيتم" أي افترضوا أنه نبي وأنتم تأمرون بالمعصية ولو عصيت الله أخسر وأنتم تخسرون فقالوا له ائت بآية وبدءوا يشترطون، وقالوا انهم يريدون هذه الصخرة أن تنشق وتخرج منها ناقة، وبدءوا يتفننون وقال واحد من الملأ الكبير لابد أن تكون الناقة حامل بعشرة أشهر ، وقال آخر لابد أن تكون لونها أحمر وقال آخر لابد أن يكون صوفها كثير، ولابد أن تكون ناقة ضخمة بحيث هي تشرب من البئر يوم ونحن نشرب يوم.

الله يحقق المعجزة ويخلق ناقة صالح من الصخرة

فقال لهم صالح عليه السلام: إن جاءتكم هذه الآية تؤمنون قالوا بلى قال فاجمعوا الناس، فدعوا الناس في اليوم الموعود ودعا صالح عليه السلام ربه وتزلزلت الأرض وانشقت الصخرة أمام أعينهم وتخرج من داخل الصخرة ناقة ضخمة من أضخم ما رآوا في حياتهم، بل أضخم ناقة في التاريخ، وكانت ناقة واحدة تشرب ماء يكفي قرية كاملة وحامل في شهرها العاشر على وشك الولادة بالوصف الذي وصفوه.

يقول الله سبحانه وتعالى على لسان صالح :" وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) سورة هود.

وحدد لهم الشروط فقال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، أنتم تشربون يوم وهي تشرب يوم، وأي أذى يحدث للناقة سيصيبكم العذاب.

يقول الله تعالى : إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ (28) سورة القمر.

ونبههم بألا يقوموا بمس الناقة بأي سوء فيقول الله تعالى: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) سورة الشمس

اي لا تعتدوا على الناقة ولا تمنعوها من الماء، واحذروا أن تمسوها فلما رأى الناس هذه الآية المعجزة انقسم الناس فقليل منهم آمنوا واتبعوا صالح وأما أكثر قوم ثمود ظلوا على الكفر بعدما رأوا الآية بأعينهم.

النبي صالح يحذر قوم ثمود من إيذاء الناقة وإلا وقع العذاب

يقول الله سبحانه وتعالى " وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) سورة الإسراء.

أي أتتهم المعجزة التي طلبوها ورأوها وظلموا بها، رغم انها جاءتهم على ما وصفوا ولكنهم أصروا وظلموا. وولدت الناقة وجاء الولد على شكلها وكانوا يحلبونها وكان يسير وراءها ولم يكن سحر بل عاشت بينهم فترة طويلة.

وظلت الناقة بينهم يشربون يوما من البئر ويأخذون ما يحتاجون من اليوم الثاني فإذا كان اليوم الثاني أقبلت الناقة إلى البئر هي وابنها وكانت تشرب طول اليوم، وكانوا وهي تشرب يحلبونها ويشربون منها فتكفيهم جميعا فكانت نعمة لو آمنوا ولكنهم كفروا، وتحاوروا في الأمر قالوا أن يتركنا الناس ويتبعون صالح وهذه الناقة، تجعلنا يوم كامل لا نمس الماء لابد من أن ننتظرها وإذا ما مشت تفر الأغنام والإبل فأزعجتنا فلنتخلص منها فاجتمعوا وتشاوروا واختاروا رجل منهم ذكرهم المؤرخون هو قدار بن سالف ابن جذع.

قوم ثمود يخططون لقتل ناقة النبي صالح خوفا على ملكهم

وناد ثمود قدار واتفوقا معه على قتل الناقة بالتالي ليس قدار وحده هو الذي فعلها بل الأمر كان بالاتفاق.

القول في تأويل قوله تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) سورة القمر

يقول تعالى ذكره: فنادت ثمود صاحبهم عاقر الناقة قدار بن سالف ليعقر الناقة حضّا منهم له على ذلك. - وقوله ( فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ) يقول: فتناول الناقة بيده فعقرها.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " هو أشقى الأولين"، وذكره الله في القرءان الكريم في الآية السابقة وذكره مرة أخرى إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) سورة القمر ( إذ انبعث أشقاها ) أي : أشقى القبيلة ، هو قدار بن سالف عاقر الناقة ، وهو أحيمر ثمود ، وهو الذي قال تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) [ القمر : 29 ] . وكان هذا الرجل عزيزا فيهم ، شريفا في قومه ، نسيبا رئيسا مطاعا.

9 شباب يتفقون على قتل ناقة صالح مع قدار

وجاء بصاحب آخر له فاتفقا على قتل الناقة ثم كان هو وصاحبه لهما مجلس خمر وفساد مع مجموعة من أصحابه فكانوا 9 اشخاص تشاوروا في قتل الناقة، واتفقوا على معاونته، وشاوروا الناس وأيدوهم في ذلك.

وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) سورة النمل

يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ، وهموا بقتل صالح أيضا ، بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيلة ، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه : إنهم ما علموا بشيء من أمره ، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به ، من أنهم لم يشاهدوا ذلك ، فقال تعالى : ( وكان في المدينة ) أي : مدينة ثمود ، ( تسعة رهط ) أي : تسعة نفر ، ( يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود ; لأنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم.

كيف قتل قوم ثمود ناقة صالح

تحرك التسعة شباب لقتل الناقة وهي قادمة من الجبل الذي كانت تسكن فيه بعدما تشرب من البئر، وانتظروها في الطريق ولما وصلت أمرهم قدار بأن يهجموا عليها فلما هجموا عليها خافوا وهربوا فضحك منهم قدار وتقدم إليها وضربها على رجلها فعقرها والعقر هو كسر الرجل. فكسر رجلها فسقطت فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر أي كسرها.

يقول الله: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14). سورة الشمس

ويقول فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) سورة الأعراف.

يعني كسروا قدم الناقة، وبعدما هرب ابنها فتبعوه وأحاطوا به فأصدر صوت عالي ثلاث مرات فقتلوه، واجتمع أهل القرية يقطعون اللحم ويأكلون من الناقة والكل شارك في هذه الجريمة إلا القوم المؤمنين الذين رفضوا ذلك، وتحدى القوم صالح.

قوم ثمود يتحدون صالح بأن ينزل الله عليهم العذاب

ولما جاء الخبر بصالح عليه السلام فإذا وجد ذلك، فنادى يقول الله تعال: "فعقروها فقال" يعني صالح " فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدٌ غير مكذوب".  يعني ثلاثة أيام فقط وكلكم تهلكون.

فاجتمع الناس وبدءوا يتحاورون في أمر صالح وإنذاره فعندها قالوا : " نقتل صالح مع الناقة" وبدأت المؤامرة على قتل صالح.

يقول الله: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) سورة النمل.

إذًا بعدما قتلوا الناقة الآن تآمروا على قتل نبي الله صالح واستعدوا وجهزوا الرهط التسعة ومعهم من يساعدهم وتوجهوا إلى بيت صالح ليدمروه ويقتلوه هو ومن معهم، يقول الله سبحانه وتعالى : وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) سورة النمل.

أول تدمير وقع على التسعة من الشباب وتم تدميرهم وأهلهم بالكامل لأنهم ارادوا قتل صالح ثم بدء العذاب. صالح عليه السلام في تلك الليلة التي دمر الله سبحانه وتعالى أعداءه فر هو ومن معه فر من قرية الحجر.

وأصبح الناس بمشهد عجيب في اليوم الأول من أيام الإنذار، كل وجوه ثمود صفراء وبدءوا يبكون، وفي اليوم الثاني انقلبت الوجوه فإذا هي حمراء، وفي اليوم الثالث وإذ كلهم وجوههم سوداء، فأخذوا يبكون ويصيحون وبدءوا يحفرون القبور، أي عرفوا أن الأمر حق ولا مفر.

وجاء العذاب ليس عذاب واحد كما حدث لقوم عاد، ريح وليس عذاب واحد مثلما حدث لقوم نوع بالطوفان، وإنما أصناف العذاب لأنهم جاءتهم آية على شروطهم وكفروا بهم.

أول مابدأ الأمر بدأت الرجفة أي الزلزال وسقطوا على أرجلهم، ثم بدأت الصواعق تنزل عليهم، ثم ختم الأمر بصيحة أهلكتكهم أجمعين.

يقول الله تعالى : وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) سورة الذاريات.

يقول الله تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود) وفي موقع آخر (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود). (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ) - (31) سورة القمر

الله ينجي النبي صالح ومن معه ويتم تدمير قوم ثمود

أي أن الله دمرهم وفتتهم وتدمرت ثمود بأجمعها ونجى الله سبحانه صالح ومن معه.

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) هود.

وبقيت آثارهم إلى اليوم من يمر في شمال غرب المدينة يرى مساكنهم في مدائن صالح.

تِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) ( سورة النمل).

وحتى لا تشكون أن القصة حق ترك الله مساكن قوم ثمود وهاجر صالح من هذا المكان.

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) سورة الأعراف.

وفاة النبي صالح في مدينة الرملة في فلسطين

وهاجر النبي صالح ومن معه من المؤمنين وأهله إلى فلسطين الأرض المباركة وسكن في الرملة، في مدينة الرملة ومات هناك عليه السلام.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في طريقه إلى غزوة تبوك مر على مدائن صالح فذهب بعض الصحابة فأخذوا الماء من آبار مدائن صالح، وأخذوا بعض الأواني فالنبي صلى الله عليه وسلم بأن تكسر الأواني، وكل طعام صنع من ماءهم أن يرمى وأمر بألا يدخل أحد على هؤلاء المعذبين إلا ويبكي.

أي لا يمكن الذهاب إلا وتتذكر قدرة الله عز وجل وجبروته الذي تبدى في هؤلاء، وفي رواية أخرى فإن لم تبكوا فتباكوا ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدًا لثمود.

وهكذا انتهت قصة ثمود مع صالح التي ذكرت في القرءان أكثر من 26 مرة موعظة وذكرى للمؤمنين وعاش الناس ورجع الايمان مرة أخرى ثم بدء الانحراف من جديد وجاءت وسوسة الشيطان من جديد وانتشر الكفر في فلسطين والعراق والجزيرة ومصر وبعث الله تعالى في هذه المرة نبي هو من أعظم الأنبياء من أولي العزم من الرسل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

لوط عليه السلام

لوط عليه السلام كان يعيش في زمن ابراهيم أبو الانبياء فقد حدثت هذه القصة في حياة ابراهيم عليه السلام ولوط يكون ابراهيم عمه، فهو ابن أخ ابراهيم عليه السلام، فلوط اسمه لوط ابن هاران ابن تارخ، وتارخ هو أبو ابراهيم عليه السلام.

ذكره الله سبحانه وتعالى في القرءان الكريم 27 مرة في 14 سورة ومات أبوه وهو صغير، فتربى في بيت تارخ ( آزر) مع عمه ابراهيم فكان في نفس البيت الذي فيه ابراهيم عليه السلام وأحبه من كل قلبه.

لوط الوحيد الذي يؤمن حينما شاهد نجاة ابراهيم من النار

ولما كانت معجزة النار لما ألقى فيها ابراهيم عليه السلام وكانت عليه بردا وسلاما وشاهد الناس هذا المشهد ولم يؤمنوا آمن لوط عليه السلام.

يقول الله عز وجل في سورة العنكبوت ۞ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)

هجرة لوط إلى قرية سدوم الشاذ أهلها

ولما هاجر ابراهيم عليه السلام هاجر معه لوط، وأمره ابراهيم عليه السلام لما رجع من مصر إلى فلسطين بأن يذهب إلى الْمُؤْتَفِكَةَ (سدوم)، وهي عند بحيرة لوط عند البحر الميت وكانت مركزا تجاريا ومحطة سفر.

والمؤتفكة تطلقة أيضا على رى قوم لوط الأربعُ وهي ( سَدوم ( و ( عُمورة ( و ( آدمة ( و ( صبوييم)

وكان قوم سدوم كفرة وليس فيهم مؤمن، ويقول الله عز وجل على لسان الرسل الذين حطموا ودمروا قرية سدوم : فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) سورة الذاريات.

أي أن بيت لوط فقط كان مسلم والباقي كله كفار، وكانت سدوم فجرة من أشد الناس فسقا وفجورا وابتدعوا فجور لم يفعله أحد قبلهم من العالمين.

نبي الله لوط يدعوا قومهم لترك الشذوذ وعبادة الله

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) سورة النمل. وكانوا قوما شاذين يقومون بالشذوذ مع الرجال علنيًا دون إحراج وفي سورة الشعراء ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)  وفي سورة العنكبوت يقول الله  وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30).

أي أنهم كانوا يعاشرون الرجال علنًا، ويقطعون الطريق، وكانوا يفعلون الفاحشة بدون أي حياء حتى أنهم كانوا يخرجون أصوات الريح في النوادي ويتضاحكون. والله يريد أن يعلم الجميع أن هذا شيء سيء جدا.

وتجمعت فيهم صفات الشر وأخذ يدعوهم

وفي سورة الشعراء يذكر الله قول لوط لهم كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)

يعني نفس دعوة جميع الأنبياء لكن ماذا كان الرد ؟! فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) سورة العنكبوت. وهذا نفس الرد الذي قاله قوم نوع وعاد وثمود، حيث طلبوه بأن يعذبوا من الله وفي آية أخرى وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) في سورة القمر.

قوم لوط يرغبون في طرده من القرية

حذرهم من العذاب ولكنهم لم يهتموا، ولما دعاهم قالوا اخرجوه من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، ولم يكونوا يريدون في القرية إلا أهل الفاحشة والفسق والفجور فكلهم كانوا أهل فسق إلا لوط وابنته والباقي كله أهل كفر.

وعزموا على طرد لوط من القرية

يقول الله : " قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (168)" سورة الشعراء

يقول انه من القالين اي الرافضين لهذا العمل وبعدها بدأ يدعوا الله عليهم رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) سورة الشعراء.

ولم يكن لديه عائلة كبيرة بل جلس يدعوا عليهم قال رب انصرني على القوم الفاسدين، فتجمعت الاوصاف السيئة كلها عليهم وعندها استجاب الله عز وجل وارسل الرسل الملائكة جبريل وميكائيل وملك الموت وفي رواية وكان معهم اسرافيل عليهم السلام وذهبوا إلى ابراهيم ليبشروه باسحاق، وفسألهم عن قصة قوم لوط.

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58) سورة الحجر

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) سورة الذاريات.

أي أن الملائكة كانوا موكلين بارسال حجارة من طين عليها اسم كل شخص من العصاة الشاذين المسرفين.

يقول الله :  " وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)" سورة العنكبوت.

فما تجمعت اوصاف السوء على أحد جميعا الا قوم لوط.

ابراهيم عليه السلام يجادل الملائكة بتأجيل العذاب على قوم لوط

وحينما وصلت الملائكة في صورة رجال ثلاثة إلى بيت ابراهيم ودارت مناقشة بينهم وبشروه بأن زوجته سارة ستلد اسحاق عليه السلام، جادلهم في تأجيل العذاب على قوم لوط لأن بهم نبي الله لوط لكن كان قد صدر الأمر بأن يتم تعذيب العصاة وأن ينجو لوط.

وتوجه الملائكة نحو سدوم ( المكتفئة ) وكانوا بصورة شباب في منتهى الجمال لإقامة الحجة عليهم وينتظرون شهادة نبيهم عليهم.

وصل هؤلاء الملائكة في صورة بشر عند أطراف القرية وواحدة من بنات لوط تسقي الماء فخافت عليهم لأنها تعرف أن لو شاهدهم أحد من القرية لفجروا بهم، فأسرعت نحو أبيها وأخبرته بأن هناك شبان جاءوا فأسرع لوط إليهم وقال لهم ما شأنكم قالوا ضيوف.

فاستحى أن يردهم فقال تعالوا، وفي الطريق يريد أن ينبههم ولكن في نفس الوقت لا يريد أن  يختار كلمات سيئة، فاختار كلماته بعناية وقال: " ياهؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أخبث من هؤلاء" فكملوا معه الطريق فأعادها مرارا وتكرارا والملائكة تحسب شهادته عليهم، فوصلوا إلى البيت وخبأهم.

امرأة لوط كانت كافرة فأخبرت القوم فقالت لهم إن في بيت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط، ووصل الخبر إلى أهل القرية الفاسدين فأسرعوا إلى بيت لوط عليه السلام، ومن قبل كانوا يعملون السيئات يعني جاءوا من فاحشة لارتكاب فاحشة أخرى، واستبشروا وفرحوا بوجود شباب شديدي الجمال.

فوقف لوط أمام البيت يدافع وقال يا قوم هؤلاء بناتي، يقصد النساء تحيث يعتبر النساء بناته في القرية ويعتبرهم أبوهم، أما الذي قال أن لوط عليه السلام عرض عليهم أن يزنوا ببناته فقد فحش وأخطأ، حاشاه فهو نبي كريم، وطلب منهم اتقاء الله وألا يخذوه في ضيفه.

قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانا نعلم ما نريد، يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط ، عليه السلام : إن لوطا توعدهم بقوله : ( لو أن لي بكم قوة ) أي : لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل [ من العذاب والنقمة وإحلال البأس بكم ] بنفسي وعشيرتي .

وفي الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد إلى الله".

ويقول المفسرون فما أرسل الله بعده نبيا الا وعائلته تحميه.

يقول الله في سورة الحجر

وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ

يقول الله في سورة القمر

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ ۖ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)

وحاول قوم ابراهيم دخول المنزل فخرج لهم جبريل وضربهم ضربة اعماهم جميعا، وأخذهم يتوعدون وقالوا سحرهم وتوعدوه بالمجيء في الغد.

وبدءوا يتحسسون الجدران ولم يتوبوا وعندها قال الملائكة قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) سورة هود.

أي أمهلهم الملائكة بأن يعذبوا في الصباح وطلب من لوط أن يتحرك هو وأهله  وألا يلتفت منهم أحد.

فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) سورة الشعراء.

أي أن أهل لوط نجوا جميعا الا زوجته العجوز التي كانت من الكافرين.

إقرأ ايضاً: معجزة سيدنا لوط عليه السلام

عذاب أهل لوط

وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) سورة القمر

كيف كان العذاب؟ أدخل جبريل عليه السلام يده تحت القرية ورفع القرية كلها  وارتفع بها إلى السماء حتى سمعت الملائكة صياح ديوكهم ونباح كلابهم، وحتى سمعوا تسبيح الملائكة في السماء، وانطلقت صخور ترجمهم ثم صرخ فيهم جبريل الصيحة قضى عليهم جميعا.

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) سورة هود. أي أن الحجارة كانت من الطين بجهنم متتابع وعليها اسم كل شخص من العصاة.

إبراهيم الخليل عليه السلام

عدما انتهت قصة ثمود مع صالح التي ذكرت في القرءان أكثر من 26 مرة موعظة وذكرى للمؤمنين وعاش الناس ورجع الايمان مرة أخرى ثم بدء الانحراف من جديد وجاءت وسوسة الشيطان من جديد وانتشر الكفر في فلسطين والعراق والجزيرة ومصر وبعث الله تعالى في هذه المرة نبي هو من أعظم الأنبياء من أولي العزم من الرسل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

من هو نبي الله ابراهيم ؟

هو أبو الأنبياء ابراهيم بن تارخ ويسمى آذر وهو لقب كان يساعد قومه أي يؤازرهم وذكرت قصة ابراهيم عليه السلام في كتاب الله في 73 موضع، في 25 سورة وهو من سلالة سام ابن نوح عليه السلام.

كان في شمال العراق في بابل المدينة المعروفة إلى اليوم وكانت مدينة عظيمة بها حضارة كبيرة وانتشرت فيها عبادة الأصنام.

يقول الله سبحانه وتعالى وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) سورة العنكبوت.

وكانوا لا يعبدون الله إلا ويشركون به الأصنام.

ابراهيم عليه السلام يسأل أبيه وقومه عن سبب عبادة التماثيل

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ( سورة الأنبياء ).

ويقول الله سبحانه وتعالى عن عبادتهم للأوثان وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (74) سورة الشعراء.

بالتالي الأمر توارثوه وبدأ ينبههم الانسان لماذا يعبد اله ؟ حتى إذا احتاج يدعوه ويستجيب له ويقضي له حاجته ويعبد الاله ليهديه إلى الطريق المستقيم لهذا يعبد الله حتى ينفعه ويمنع عنه الضرر.

هؤلاء آلهة لا تسمع ولا تنفع ولا تضر كيف تعبدوها؟ لكنه التقليد الأعمى وتعطيل العقل البشري هذا الذي صنع بهم ذلك.

وبدأ إبراهيم يدعوهم بالحاح.

دعوة ابراهيم بذكاء إلى الله

ولم يعبد ابراهيم الاصنام أبدا، وأخذ يدعوا قومه وبدأ بأبيه يقول الله في سورة مريم

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46).

أي أنه بعدما دعا ابراهيم ابيه هدده بالرجم وطلب منه الابتعاد عنه فترة طويلة.

وكان رد ابراهيم كالتالي قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) سورة مريم.

وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) سورة التوبة.

ولايجوز أن يستغفر المؤمن لكافر، والاستغفار كان لمواعدة فقط.

وأكرم الله ابراهيم عليه السلام وكان يسمى خليل الرحمن، والخلة امتلاء القلب بالحب فكان من أكثر الناس محبة عند الله.

ابراهيم عليه السلام يعتذر عن العيد ويهدم الاصنام

وفي هذا الوقت كان عمر ابراهيم 16 عاما وهو نبي وبدأ يفكر ماذا يفعل ؟ فعزم على القضاء على أصل الشر وهذه هي الأصنام وبدأ يهدد بكسر الأصنام وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) سورة الأنبياء.

وقال ذلك علنا وتحداهم علنا وانتظرهم في يوم لا يوجد لديها أحد خاصة وجاءت الفرصة السانحة وكان لهم يوم عيد يخرجون فيه إلى خارج المدينة وهناك يلعبون ويمرحون ويأكلون ويتركون في هذه الفترة الطعام عند الأصنام حتى إذا أتوا آخر النهار يأكلون هذا الطعام المبارك.

ولم يخرج ابراهيم في هذا العيد، فسأله أهله مالك فقال لهم إني نظرت في النجوم فوجدت أني سأكون مريض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كذب عليهم لكنها كانت في الله).

جاءت ذلك في الآيات التالية: ۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) سورة الأنبياء.

ابراهيم عليه السلام يهدم الأصنام ويترك المعول في رأس كبيرهم

وجاءت مسألة اعتذارهم عن الخروج في قوله تعالى فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) سورة الصافات.

أي أن ابراهيم عليه السلام استغل الفرصة وذهب إلى الأصنام، الموجود أمامهم الطعام الذي تركه قومه ليحصل على المباركة فكلم التماثيل ألا تأكلون ؟! بصورة ساخرة، وبدأ يضربهم بيده اليمنى وقام بتفتيتهم وترك صنم كبير وترك الأصنام على هذا المشهد، وعلق المعول عليه المعول.

مواجهة ابراهيم قومه بعد تكسير أصنامهم التي اعتبروها آلهة

ووصل الناس فوجئوا بالتماثيل مكسورة وتساءلوا من فعل ذلك بالالهة ؟ فأتوا بابراهيم وأتوا بأهل بابل بالكامل وسألوه: " هل فعلت ذلك بالالهة يا ابرهيم قال بل فعلهم كبيرهم هذا فاسألوه إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى انفسهم وتساءلوا وكيف كبير الآلهة لا ينطق وفعلا بيده الفأس، وحاوروا انفسهم قالوا إنكم أنتم الظالمون لكنهم لم يؤمنوا بل انقلبوا بعدما رأوا العلامة والمنطق الواضح"

يقول الله تعالى : قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) سورة الأنبياء.

قوم ابراهيم يقررون حرقه بالنار أمام مجتمع بابل

أي أن قوم ابراهيم مع ذلك أصروا وهددوه بأن يحرقوه، وخصصوا أرض صماء ليست تراب وأحاطوها بالحجارة وجعلوها محاطة وأمر كل الناس أن يشاركوا بوضع الأخشاب في هذه المنطقة وبدأ الناس يأتون بالأخشاب حتى النساء والأطفال حتى صارت الأخشاب بنيان، وارتفعت كالعمارة ثم أشعلوا النارا وجاءوا بالمنجنيق.

والمنجنيق آلة يقذفون بها الحجارة يضعون الحجر فيها ثم يقطعون الحبل فترمي الحجر إلى مسافة بعيدة، ووضعوا ابراهيم عليه السلام في كفة المنجنيق.

وفي هذه الأثناء كان دعاء ابراهيم عليه السلام: " حسبنا الله ونعم الوكيل " أي يكفينا الله وما نحتاج أحد غيره، والتوكل عليه فقط.

المعجزة تحدث ولا يصاب إبراهيم عليه السلام بأذى

لذلك جاءت بعض الروايات أن ابراهيم عليه السلام بينما هو مقذوف في طريقه إلى النار جاءه جبريل فقال يا ابراهيم ألك حاجة ؟ فقال أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم.

وفي رواية أخرى أن ملك المطر استئذن الله تعالى أن ينزل المطر فيطفيء نار ابراهيم لكن كان أمر الله أعجل، حيث قال الله : قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) سورة الأنبياء

وحدثت المعجزة فالنار لم تحرقه، ولم تشتعل ثياب ابراهيم وما احترق منه إلا الحبل الذي كان مربوطا به، فسبحان القادر عز وجل وظل الناس ينتظرون المشهد والنار تخمد وفجأة ينظرون وإذ إبراهيم عليه السلام في وسط النار متنعم.

جاءت الروايات أنه يقول عليه السلام ما كانت أيام أنعم عندي من الوقت الذي كنت فيه في النار، والناس مشدوهة فهو وسط النار ولا يحرق، والناس تنظر لهذه المعجزة ثم يخرج ابراهيم عليه السلام من بين النار سليم ليس به سوء ومع ذلك لم يؤمن لإبراهيم عليه السلام إلى لوط فقط من قومه.

يقول الله : فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) ۞ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) سورة العنكبوت.

الملك النمرود تصله أخبار بابل وعن ابراهيم الذي لم تحرقه النار

وصلت الأخبار إلى الملك النمرود وهو ملك ذلك الزمان وفي رواية أنه كان يحكم معظم الأرض، فقال ائتوني به فجيء به إلى النمرود فأخذ يحدثه عن ربه.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) سورة البقرة.

وجاء النمرود برجلين من السجن وحكم على واحد بالموت وترك الآخر، ليثبت أنه يحيي ويميت، لكن ابراهيم كان يقصد اصل الاحياء والإماتة.

إبراهيم عليه السلام يهاجر إلى الشام

لذلك لم يعقب ابراهيم عليه السلام من ذلك وتحدث عن الشمس والمغرب، ولم يتعرض النمرود لإبراهيم عليه السلام وترك العراق وهاجر إلى الشام إلى سورية، ووصل إلى منطقة حران وتزوج بزوجته سارة ابنة عمه.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلق على الأرض أجمل من سارة إلا حواء".

وهاجر فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم، وذهبوا إلى الشام.

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) سورة الأنبياء.

وكان أهل حران تعبد النجوم فأراد ابراهيم عليه السلام أن يريهم أن عبادة النجوم هذه باطلة وجاء ذلك في الآيات فقد كانوا يتعبدون في الليل وخرج معهم يوم من الأيام يريد أن يريهم أن العبادة باطلة.

وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) سورة الأنعام أي أنه كشف له المجرات والنجوم، وبعدما أراه الله اعجازه في السماء فأيقن بالله عز وجل وعندها أراد أن يجادل قوم حران في عبادتهم في النجوم.

وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)  الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) سورة الأنعام.

والكوكب يقال إنه الزهرة وبدأ يستهزيء بقوم حران ويقول أن هذا ربه ولما مضى الليل اختفى كوكب الزهرة، وتروي الآيات جداله لقوم حران، والناس تنظر لنقاشه ويستعجبون من إثباته بالحجة والمنطق، وبدأ قومه يجادلونه ولكنه أكد أنه لا يخاف منهم وتحدث معهم عن الله سبحانه وتعالى.

هجرة إبراهيم عليه السلام إلى مصر ومعه زوجته سارة أجمل نساء الأرض

وقرر ابراهيم عليه السلام الهجرة مرة أخرى وقرر هذه المرة الهجرة إلى مصر وترك الشام وفلسطين وذهب إلى مصر.

الحاكم الذي كان على مصر وصلته الأخبار بوصول رجل معه امرأة هي أجمل نساء الأرض فطمع بها وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة، وقال اسألوا عن الرجل الذي معها فإن كان زوجها فاقتلوه، فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك فقال لسارة إن سألوكِ عني فقولي أنتِ أختي في الله، وقال لها والله ما على الأرض التي نحن فيها مؤمن غيري وغيركِ.

الأرض كانت كافرة لا يوجد بها مؤمن أو موحد بالله، فقالوا ما تكون هذه منك؟ قال أختي هي أختي يقول النبي عليه الصلاة والسلام: " كذب لكن في الله".

أنواع الكذب التي قالها ابراهيم عليه السلام

لما قال إني سقيم يعني مريض، ولما قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون، وهذه المرة لما قال هي أختي وكلها أمور تحتمل التأويل.

وإبراهيم عليه السلام جاء بالبشر قالوا يا ابراهيم أنت خليل الرحمن ادع الله ربنا أن يبدأ الحساب؟ قال لا إني أخاف ربي إني كذبت ثلاث مرات.

دعاء سارة عليها السلام ضد حاكم مصر

فأخذوا سارة عليها السلام إلى الملك ودعت ربها لما عرفت أنه فاجر ويريد أن يأخذها قالت : " اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليّ الكافر". هذا كان دعاءها عليها السلام.

فلما أدخلوها عليه أراد أن يمد يده ليلمسها فشل وبدأ يصرخ لا يستطيع أن يحرك يده وجاء الأعوان أن يريدون ان ينقذوه، فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها لأنها فعلت ذلك بالملك فقالت : ياربي اتركه لا يقتلوني به. فالله استجاب لدعاءها فرجعت يده سليمة.

وحاول الهجوم عليها مرة أخرى فشل مرة أخرى، فقال : فكيني، فدعت الله تعالى فتم فكه فما تاب وهاجم عليها مرة ثالثة، فشل للمرة الثالثة فقال لها: فكيني وأطلقكِ في سبيلك وأكرمك، فدعت الله سبحانه وتعالى ففك هذا الكافر.

فنادى الأعوان وقال : أخرجوها عني والله ما جئتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان. وأطلقوها، وأرسل معها الذهب والجواهر وأرسل معها هدية أمة اسمها هاجر.

فكانت هاجر تخدم سارة ورجعت سارة إلى إبراهيم عليه السلام، وإذا هو يصلي. فقال لها ماذا حدث؟

فقالت له أن الله سلط على الكافر ولم يستطع الحصول على شيء.

فقال ابراهيم : الحمدلله.

وقرر أن يخرج من مصر ورجع مرة أخرى إلى فلسطين.

بعدما هاجر ابراهيم عليه السلام من بابل بشمال العراق ومنها إلى حران بالشام ومنها إلى مصر وتوجه إلى فلسطين وحينما استقر به المقام في فلسطين انضم له لوط عليه السلام ثم أمر لوط أن ينتقل ليدعوا قوما شديدي الكفر والشذوذ في قرية تسمى سدوم ويقال لها كذلك المكتفئة وسنرجع لهذه القصة مع هؤلاء القوم الفجرة الكفرة.

إبراهيم عليه السلام يتزوج من هاجر

فذهب إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وأمتها هاجر في فلسطين، وعاش هناك وكان يدعوا إلى الله ويتاجر، وصارت له الأموال الكثيرة في فلسطين ولما بلغ من العمر خمسة وثمانين سنة أو ستة وثمانين سنة تقريبا، رأت سارة أنها عاقر وزوجها كبير يشتاق إلى الولد ويتمناه فأهدته هاجر فصارت إليه وتزوجها فولدت له ولده البكر اسماعيل عليه السلام.

وكان ذك عمره ستة وثمانين عاما وغارت سارة رغم أنها هي التي أهدتها له هاجر وقالت لا تجمعني معها في مكان واحد.

إبراهيم عليه السلام يسافر باسماعيل وهاجر إلى مكة المكرمة

وصرف ابراهيم السيدة هاجر بعيدا عن سارة، ثم أمر الله تعالى بأن يأخذها هي واسماعيل إلى مكة المكرمة وبالفعل سافروا إلى مكة.

رحلات ابراهيم عليه السلام كانت على البراق الدابة التي يركبها الأنبياء، ولو كان معه  أحد كان يسافر سفرا عاديًا.

وسافر مع زوجته وابنه إلى مكة وسار بهما حتى وصلوا إلى وادي مكة الذي لا يوجد فيه أي شيء على الاطلاق بين الجبال.

ابراهيم يترك هاجر وابنها اسماعيل في صحراء مكة

وهناك في ذلك الوادي ترك هاجر ومعها اسماعيل عليهما السلام وانصرف، فتعجبت هاجر وتوقعت أن يتركها في قرية على الأقل في مكان به طعام وشراب ولكنه مضى فتبعته هاجر عليها السلام فقالت يا ابراهيم أين تتركنا؟ لا ماء ولا طعام لا بشر؟

ولم يتردد عليه السلام واستمر وهي تتبع وتترجاه وتستعطفه : " نموت في هذا المكان هذه صحراء " وهو مصر على مضيه ثم قالت له : آلله أمرك بهذا؟ فقال نعم، فقالت هاجر عليها السلام: " إذًا لن يضيعنا".

هاجر تسعى بين الصفا والمروة سعيا عن الماء والطعام أو من ينقذ ابنها

ورجعت إلى رضيعها اسماعيل وبقيت معه ونفذ الزاد والماء والطعام وبدء اسماعيل الرضيع عليه السلام يبكي والمرأة لا تتحمل سماع بكاء رضيعها من الجوع فتركته وأسرعت إلى أقرب الجبال إليها الصفا فصعدت عليه وبدأت تنظر وتتأمل لعلها تجد شيئًا، فلم تجد، فأسرعت للوادي فلما نزلت في بطن الوادي هرولت ثم صعدت إلى جبل المروة وبدأت تبحث ولم تجد شيئًا، فشعرت بأنها ابتعدت عن طفلها فرجعت نحو الصفا وظلت على هذا الحال.

فظلت سبعة أشواط تسعى بين الصفا والمروة فهذا سعي المسلمين بين الصفا والمروة احياء لهذه القصة العظيمة، فلما وصلت للمروة في المرة السابعة فسمعت صوتا فقالت لابنها اسكت ( صه) وبدأت تتسمع فسمعت صوتا عند اسماعيل عليه السلام فجرت نحوه، فإذا الماء ينبع من تحت رجليه.

الله يرسل جبريل ليفجر بئر زمزم تحت قدم اسماعيل الرضيع

جاء جبريل عليه السلام فضرب الأرض بطرف جناحه عند موضع زمزم وبدأ النبع العظيم عند رجل اسماعيل عليه السلام. عند رجل نبي بحفر ملك.

ففرحت هاجر برؤية الماء وبدأت تحفر النبع البسيط وتقوم باحاطته وتقول ( زم  زم ) يعني تجمع.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أم اسماعيل لو لم تحطه لكانت زمزم عينًا معينًا ولرجت كالنهر ".

وشرب اسماعيل ونجو من الموت بمعجزة الهية، لكن ظلت بدون طعام أو بشر. وبدأت الطيور تحوم على المياه التي فيها زمزم.

قبيلة جرهم تستأذن هاجر أم اسماعيل بالشرب من زمزم

وفي هذه الفترة كانت قبيلة جرهم من قبائل العرب العظيمة قد تركت اليمن بسبب إنهيار سد مأرب الذي كان يستخدم لتجميع الماء. حيث تفرق العرب من اليمن إلى شمال الجزيرة. فأصل العرب كلهم من اليمن.

وجرهم كانت تبحث عن الماء وكانت تتجه إتجاه الشام، ورأوا الطيور تحوم على منطقة وادي بكة فقالواوالله هذه الطيور لها شأن فأرسلوا رسول جاءهم الخبر، وتوجهت القبيلة عند الماء وكانت فيهم شهامة ونخوة ما كانوا يقطعون طريق أو يؤذون الناس.

فوجدوا ام اسماعيل فاستأذنوها على أن يعطوها أجرًا مقابل استعمالهم للماء، فوافقوا على ذلك بسبب شهامتهم.

ونزلت جرهم في مكة وكانت هذه معيشة هاجر نتيجة استئجار زمزم لهؤلاء الناس، ونشأ اسماعيل في جرهم وتعلم منهم اللغة العربية الفصيحة وصار أفصحهم ومن ذريته من زواجه من جرهم صار العرب المستعربة ومن بينهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

كان هذا لاستجابة لدعاء ابراهيم عليه السلام بدعوته المذكورة في القرءان (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم). هل كان البيت المحرم مبنيا؟ بالتأكيد لم يكن مبني حينما وصل ابراهيم بهاجر هناك. هل كان مبني قبل ذلك؟ مكانه كان معروف عند الملائكة وابراهيم عليه السلام. وفيه رواية أخرى أن شيث ابن ادم بناه وانهدم.

لقول الله عز وجل : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) - اَل عمران"

ابراهيم يرى رؤية ذبح ابنه اسماعيل

ومرت الأيام وشب اسماعيل عليه السلام في جرهم وكان ابراهيم عليه السلام يزوره في كل عام مرة أو مرتين أو أكثر، وظل على هذا الحال إلى أن جاء حدث عظيم ففي أحد زيارات ابراهيم عليه السلام لمكة وبينما هو نائم في مكة في زيارته لاسماعيل إذ رأى رؤية في المنام أنه يذبح ابنه وهو يعلم أن رؤى الأنبياء حق ولا يتمثل فيها الشيطان، فعزم على هذا الأمر ولم يتردد.

يروي الله عز وجل القصة في كتابه بسورة الصافات

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)

يقول الفقهاء أن ابراهيم أراد أن يشارك ابنه في أجره لتنفيذ أمر الله حيث وافق اسماعيل على ابتلاء الله وقال له افعل ما تؤمر لأنه يعلم أن رؤيا الأنبياء حق، حيث كان مسلم لله عز وجل، وصبر. فكان اسماعيل منتهى الأدب مع الله عز وجل حيث قال ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) ولم يغترّ بإيمانه ولا علمه ولا قدرته وإنما نسب ذلك إلى الله عز وجل.

وقال اسماعيل ضع جبهتي على الأرض حتى لا تشفق عليه وبالفعل وضع جبهته على الأرض، وأخذ ابراهيم السكين ووضعها على رقبة اسماعيل وجرها فلم تقطع السكين وأخذ إبراهيم يضغط ويجر، ويقول له اسماعيل: "شد يا أبي " لكن لم تقطع.

الله يفدي اسماعيل بكبش من الجنة

فبعدما أسلما ( اسماعيل وابراهيم ) وخضعها لتنفيذ الأمر، فهنا الاسلام الكامل الواضح الظاهر الذي هو التسليم لأمر الله ونهيه بلا تردد ولا إعتراض. وبالتالي لم يعد هناك حاجة للاختبار فالتسليم حدث، فلما ظهر التسليم لله رب العالمين جاءه النداء وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا وحولتها إلى واقع إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين، يعني هذا هو أعظم اختبار في التاريخ.

وسمع ابراهيم نداء من خلفه فوجد جبريل ومعه كبش فداء نزل من الجنة، فهو كبش قد رعى في الجنة أربعين خريف أبيض أعين عيناه واسعتان وقرونه كبيرة هكذا وفى وهكذا فدى اسماعيل عليه السلام وصارت سنة في أمة الاسلام من بعده أن يضحون لله عز وجل عند الكعبة عند الحرم في كل عام مرة ويضحي معهم المسلمون في أنحاء الأرض لاستشعار معنى الاستسلام والسير على نهج ابراهيم عليه السلام.

بعدما فدى الله سبحانه وتعالى ابن ابراهيم عليه السلام الذبيح اسماعيل، بشر الله خليله ابراهيم بابنه الثاني اسحق عليه السلام ليكون نبي من الصالحين وذلك بعدما رجع إلى فلسطين لأنه استعد لذبح ابنه اسماعيل، وإكراما لسارة عليها السلام التي لم كانت تلد.

وآية " وبشرناه بإسحاق نبيًا من الصالحين " جاءت بعدما ذكر الله سبحانه وتعالى قصة الذبح. إذًا الذبيح هو اسماعيل. والعجيب أن بعض المفسرين يقولون إنه اسحاق تأثرًا بالاسرائيليات، والأدلة كثيرة على أن الذبيح هو اسماعيل عليه السلام.

الملائكة تذهب لبيت ابراهيم وتبشره بابنه اسحاق

وكان عُمر ابراهيم عليه السلام آنذاك 120 سنة حينما جاءته البشرة باسحاق وكان عمر سارة 90 عاما، فنزل ثلاثة من الملائكة يبشرونه هم جبريل، وميكائيل، وملك الموت في طريقهم إلى قرية لوط التي أمرهم الله بأن يدمروها، وفي الطريق أولا ذهبوا إلى إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة ونزلوا بسورة بشر وكان ابراهيم عليه السلام يحب الضيوف.

فسلم هؤلاء الضيوف واندهش ابراهيم عليه السلام منهم فهم لا يعرفون في هذه البلد وليس عليهم آثار سفر ولا معهم دواب للسفر، فالله سبحانه وتعالى قال: " قالوا سلاما قال سلاما قوم منكرون" يعني قوم غير معروفين لا من أهل القرية التي بها ابراهيم ولا عليهم اثار سفر، لكن أدخلهم البيت وأكرمهم.

وقص الله سبحانه وتعالى قصة اللقاء بالكامل في سورة الذاريات كالتالي:

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) ۞ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)

ما الذي فعله ابراهيم عليه السلام مع الملائكة ؟

جاء ابراهيم عليه السلام بذبح العجل وهذا كان كرمه عليه السلام وأحضر عجل سمين وشواه خصيصا لهم وقربه إليهم، فلما أيديهم لا تصلوا إليه خاف منهم في السر لأنهم لا يريدون تناول الطعام، وقالوا لا نأكل طعاما إلا بثمن، فقال كلوه بثمن قالوا ما ثمنه ؟ قال أن تقولوا في بدايته بسم الله وعند نهايته الحمدلله، فقالوا الحق أن يسميك الرحمن خليل الرحمن.

سارة تضحك ثم يتم تبشيرها بولادة اسحاق وطول عمرها

ولما عرف أنهم من الملائكة، قالوا له لا تخف إنا رسل ربك، وفي آية أخرى إنا أرسلنا لقوم لوط وأخبروه بمهمتهم لتدمير قوم لوط.

وكانت سارة واقفة تخدم ضيوف ابراهيم عليه السلام، فضحكت قبل أن تبشر. وقال العلماء ضحكت لما سمعت الخبر أن قوم لوط سيدمرون لأنهم كانوا قد ملئوا الأرض فسادا.

يقول عنهم لوط عليه السلام ما أعلم على الأرض أهل قرية أخبث  من هؤلاء، ولما سمعت أنهم سيدمرون استبشرت وضحكت.

وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب، يعني تم تبشيرها بأنها ستلد اسحاق ويمتد بها العمر وترى حفيدها يعقوب يعني ثلاث بشارات.

رد فعل سارة بعد البشرى بولادة اسحاق

فاندهشت سارة وأصاحت كيف تلد وهي عجوز وزوجها شيخ عمره كبير، مضيفة أن هذا شيء عجيب، فرد عليها الملائكة قائلين هل تعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد.

فكانت هذه البشرى بميلاد اسحق عليه السلام.

ابراهيم واسماعيل يقومان ببناء الكعبة في مكة المكرمة

وفي إحدى زيارات ابراهيم عليه السلام إلى مكة قال يا بني اني أمرني الله أمرا، فقال له افعل ما أمره ربك، قال أتعينني قال نعم.

قال ابراهيم ان الله امرني أن ابني في هذا المكان بناءً لله. قال وأنا معك.

يقول الله في سورة الحج وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)

يعني دله الله على مكان الكعبة المخصص لبناءها وفي رواية أن الملائكة دلته على المكان ووجد آثار بناء شيث.

أثاث الكعبة حجارة تحتها نور من الجنة

وفي رواية أنه وجد اساس الملائكة، وفي زمان قريش لما جاءوا اعادة بناء الكعبة لما تهدمت في البناء الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع الحجر الأسود في الخلاف الذي جرى في قريش.

لما أرادوا تعميق الأساس فحفروا حتى وصلوا إلى أثاث الكعبة إلى حجارة يصفونها بأنها خضراء مثلثة كأسنمة الجبال متشابكة في أثاث الكعبة فأرادوا تحريكها لتعميق الاساس فجاء أحدهم بمعول ووضعها تحت الحجر الأخضر فحرك الحجر فرفعه فخرج من تحت الخجر نور كاد يعمي الرجل وسقط الحجر وعاد مكانه، فقال لا تمسوها ابنوا عليها.

فهذا أثاث الكعبة حجارة تحتها النور بيت الله تعالى مصدر النور في الأرض.

ومن قول الله تعالى في القرءان سورة الحج

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)

وفي سورة البقرة

۞ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

وفي سورة سورة البقرة أيضا

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)

الحجر الأسود يأتي من الجنة إلى ابراهيم عليه السلام

ابراهيم عليه السلام واسماعيل لما بدءوا البناء وصل البناء إلى الركن. إلى ركن أراد ابراهيم عليه السلام أن يتميز هذا الركن ويكون منه أن ينطلق هذا البناء فقال لاسماعيل عليه السلام ابحث لي عن حجر يناسب الركن.

فقال : يا آبتِ إني كسلان يعني تعبت.

قال قم فقام.

وبدأ يبحث ولم يجد حجر مناسب، فرجع.

وإذ بحجر أبيض موضوع في الركن وابراهيم يكمل البناء.

قال اسماعيل: يا ابتي ما اتاك بهذا الحجر ؟

فقال ابراهيم: اتاني به من لا يحتاج إلى اتكال، ولا يكسل، جاءني به جبريل هذا حجر من الجنة.

فالحجر الأسود من الجنة. وفي الحديث أنه كان أبيض وأسود سودته ذنوب بني آدم وله قصة كبيرة .

وارتفع البناء بدون طين ولا أسمنت وكانت عبارة عن حجر ردم ليس بينهما أي شيء وهكذا كان يبني ابراهيم في عهده الذي علمه الله.

مقام ابراهيم عليه السلام

فلما وصل البناء إلى القامة طلب من اسماعيل أن يأتيه بحجر فوقف عليه حافيًا عليه السلام فدخلت رجليه في الحجر وترك علامة وهذا كان مقام ابراهيم عليه السلام وكان ملتصقا بالبيت وكان الناس يتزاحمون عليه في زماننا ليشاهدوا مقام ورجل ابراهيم عليه السلام، فأذى الناس في الطواف فحركه عمر بن الخطاب بمشورة الصحابة وأرجعه إلى المسافة الحالية.

وهناك رواية أخرى أن المقام الذي كان يقف عليه ابراهيم عليه السلام وغاصت قدميه في الطين بهذا المكان وكان يقف طويلا يتأمل الكعبة هل هي مستوية أم لا ؟ والكعبة اليوم هناك جزء أعلى من جزء وليست نفس الارتفاع، هكذا كان في تقدير يبنيه.

وأمر الله عز وجل المسلمين بأن يصلوا في هذا المكان بالمسجد الحرام.

بعدما بنى ابراهيم عليه السلام الكعبة المشرفة أمر الله سبحانه وتعالى بالحج إلى هذا البيت ومن لم يفعل ذلك فالله غني عنه، وجاء الأمر لابراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج. فقال ابراهيم عليه السلام : ياربي وما يبلغ صوتي؟ فجاء الرد: يا ابرهيم إنما عليك الأذان، وعلينا البلاغ فتوجه ابراهيم عليه السلام إلى جبل عرفات وكان يريد مكان عالي يؤذن وينادي الناس للحج إلى بيت الله الحرام.

وتأتي المعجزة الإلهية أن يبلغ صوته كل الناس في الأرض في وقته وليس هذا فقط لكن المعجزة الأعجب أن خلق الله تعالى في قلوب الناس حب الكعبة، وحب الحج.

تقول الآية الكريمة وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) سورة الحج.

آدم عليه السلام يؤذن في الناس بالحج ويلبون

وبدأ الحج إلى مكة بمعجزة من الله سبحانه وتعالى، وبدأ تعظيم بيت الله الحرام بأمر من الله جعلت حب البيت في نفوس الناس وظل ابراهيم عليه السلام يعيش في فلسطين وكان خليل الرحمن والخلة مرتبة أعلى من الحب وفي اشارات كثيرة يشير فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الأنبياء بعده هو إبراهيم عليه السلام.

ابراهيم يسأل الله بأن يريه كيفية احياء الموتى

وكان ينادي ابراهيم ربه عز وجل، ويروي لنا الله عز وجل خطابا بينه وبين ابراهيم عليه السلام فيقول:

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) سورة البقرة

وهذا رغبة ابراهيم في مشاهدة عين اليقين وليس علم اليقين لأنه مؤمن ولكن يريد أن يشاهد ويستأنث، وقال العلماء عن هذه الحادثة أراد ابراهيم الانتقال من علم اليقين في قلبه إلى عين اليقين بأن يشاهد المعجزة بعينيه.

فقام ابراهيم بذبح اربعة طيور وقطعهم واخلطهم ووضعهم في كل جبل جزء ( اربعة جبال) وفي الرواية واحتفظ ابراهيم بالرؤوس في يديه، ثم بدأ ينادي الطيور وإذ بالطيور بدأت تتجمع وتتشكل أمام عينيه وتشكلت طيور حية أمام عينيه بدون رؤوس، ثم يأتي الطير يأخذ رأسه ويضعها على جسمه ويطير، فسبحان العزيز الحكيم.

ابراهيم عليه السلام نزلت عليه صحف من الله سبحانه وتعالى، وصحف ابراهيم كانت أمثال كلها ويروي النبي صلى الله عليه وسلم ومنها: " أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لأردها ولو كانت من كافر".

ومنها: " وعلى العاقل مالم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب، وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاده ومرمة لمعاشه ولذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا لـ لسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يفيد".

وهكذا كانت من حكم صحف ابراهيم عليه السلام.

وفاة هاجر ام اسماعيل وسارة

وتوفيت هاجر ام اسماعيل عليه السلام ودفنت في مكة المكرمة وحزن عليها ابراهيم عليه السلام حزنا عظيما، وبعد ذلك توفيت سارة عليها السلام وكان عمرها حين ماتت مئة وسبعة وعشرين سنة وحزن عليها ابراهيم عليه السلام ورثاها، وذكر صفاتها.

وذكرت الأحاديث النبوية فضائل النبي ابراهيم فهو خليل الرحمن، وأول من يكسى يوم القيامة، وأنه وفى كل ما طلبه الله منه، وهو من أولي العزم من الرسل الخمسة ( موسى ونوح وابراهيم وعيسى ومحمد )، ومن فضائله أنه سماه الله تعالى أمّة قانتًا لله حنيفا وشاكر لأنعم الله عز وجل.

وفاة ابراهيم عليه السلام

ومات ابراهيم عليه السلام وعمره 175 سنة ودفنه ولداه اسماعيل واسحق عليه السلام في حضرون التي تسمى اليوم الخليل في فلسطين، وسميت الخليل على اسم ابراهيم عليه السلام ابو الانبياء.

وهو ابو الانبياء حيث جعلت النبوة والكتاب في ذريته يقول الله في سورة العنكبوت: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)

إسماعيل عليه السلام

اسماعيل هو ابن ابراهيم أبو الأنبياء ولقد ذكره الله في أكثر من موضع ووصفه بالنبي في سورة مريم يقول الله سبحانه وتعالى: " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا".

أي أن اسماعيل النبي كان يلتزم بمواعيده بصورة دقيقة جدا، وهذه عبادة تركها الناس، حتى أنه واعده رجل فذهب إلى الموعد ونسى الرجل وظل اسماعيل ينتظر من الفجر إلى الليل، فتذكر الرجل فذهب وسأله هل أنت على مجلسك منذ الفجر، قال نعم.  لذلك سماه الله عز وجل ( صادق الوعد).

فمن صفاته عليه السلام أنه كان حريص على أن يعبد أبناءه وبناته الله عز وجل وكان يذكرهم بالصلاة والزكاة باستمرار. وهذا من صفات الأب المسلم أيضا إذا جاء وقت الصلاة يذكرهم بالصلاة، وكذلك وقت الزكاة.

اسماعيل هو الرضيع الذي أرسل الله جبريل ليفجر بئر زمزم تحت قدمه

جاء جبريل عليه السلام فضرب الأرض بطرف جناحه عند موضع زمزم وبدأ النبع العظيم عند رجل اسماعيل عليه السلام. عند رجل نبي بحفر ملك.

ففرحت هاجر برؤية الماء وبدأت تحفر النبع البسيط وتقوم باحاطته وتقول ( زم  زم ) يعني تجمع.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أم اسماعيل لو لم تحطه لكانت زمزم عينًا معينًا ولرجت كالنهر ".

وشرب اسماعيل ونجو من الموت بمعجزة الهية، لكن ظلت بدون طعام أو بشر. وبدأت الطيور تحوم على المياه التي فيها زمزم.

ابراهيم يرى رؤية ذبح ابنه اسماعيل

ومرت الأيام وشب اسماعيل عليه السلام في جرهم وكان ابراهيم عليه السلام يزوره في كل عام مرة أو مرتين أو أكثر، وظل على هذا الحال إلى أن جاء حدث عظيم ففي أحد زيارات ابراهيم عليه السلام لمكة وبينما هو نائم في مكة في زيارته لاسماعيل إذ رأى رؤية في المنام أنه يذبح ابنه وهو يعلم أن رؤى الأنبياء حق ولا يتمثل فيها الشيطان، فعزم على هذا الأمر ولم يتردد.

يروي الله عز وجل القصة في كتابه بسورة الصافات

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)

يقول الفقهاء أن ابراهيم أراد أن يشارك ابنه في أجره لتنفيذ أمر الله حيث وافق اسماعيل على ابتلاء الله وقال له افعل ما تؤمر لأنه يعلم أن رؤيا الأنبياء حق، حيث كان مسلم لله عز وجل، وصبر. فكان اسماعيل منتهى الأدب مع الله عز وجل حيث قال ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) ولم يغترّ بإيمانه ولا علمه ولا قدرته وإنما نسب ذلك إلى الله عز وجل.

وقال اسماعيل ضع جبهتي على الأرض حتى لا تشفق عليه وبالفعل وضع جبهته على الأرض، وأخذ ابراهيم السكين ووضعها على رقبة اسماعيل وجرها فلم تقطع السكين وأخذ إبراهيم يضغط ويجر، ويقول له اسماعيل: "شد يا أبي " لكن لم تقطع.

الله يفدي اسماعيل بكبش من الجنة

فبعدما أسلما ( اسماعيل وابراهيم ) وخضعها لتنفيذ الأمر، فهنا الاسلام الكامل الواضح الظاهر الذي هو التسليم لأمر الله ونهيه بلا تردد ولا إعتراض. وبالتالي لم يعد هناك حاجة للاختبار فالتسليم حدث، فلما ظهر التسليم لله رب العالمين جاءه النداء وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا وحولتها إلى واقع إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين، يعني هذا هو أعظم اختبار في التاريخ.

وسمع ابراهيم نداء من خلفه فوجد جبريل ومعه كبش فداء نزل من الجنة، فهو كبش قد رعى في الجنة أربعين خريف أبيض أعين عيناه واسعتان وقرونه كبيرة هكذا وفى وهكذا فدى اسماعيل عليه السلام وصارت سنة في أمة الاسلام من بعده أن يضحون لله عز وجل عند الكعبة عند الحرم في كل عام مرة ويضحي معهم المسلمون في أنحاء الأرض لاستشعار معنى الاستسلام والسير على نهج ابراهيم عليه السلام.

إسحاق عليه السلام

اسحاق هو ابن ابراهيم ابو الانبياء من السيدة سارة وهو أبو يعقوب وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الأنبياء: " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)".

الملائكة تذهب لبيت ابراهيم وتبشره بابنه اسحاق

وكان عُمر ابراهيم عليه السلام آنذاك 120 سنة حينما جاءته البشرة باسحاق وكان عمر سارة 90 عاما، فنزل ثلاثة من الملائكة يبشرونه هم جبريل، وميكائيل، وملك الموت في طريقهم إلى قرية لوط التي أمرهم الله بأن يدمروها، وفي الطريق أولا ذهبوا إلى إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة ونزلوا بسورة بشر وكان ابراهيم عليه السلام يحب الضيوف.

فسلم هؤلاء الضيوف واندهش ابراهيم عليه السلام منهم فهم لا يعرفون في هذه البلد وليس عليهم آثار سفر ولا معهم دواب للسفر، فالله سبحانه وتعالى قال: " قالوا سلاما قال سلاما قوم منكرون" يعني قوم غير معروفين لا من أهل القرية التي بها ابراهيم ولا عليهم اثار سفر، لكن أدخلهم البيت وأكرمهم.

وقص الله سبحانه وتعالى قصة اللقاء بالكامل في سورة الذاريات كالتالي:

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) ۞ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)

ما الذي فعله ابراهيم عليه السلام مع الملائكة ؟

جاء ابراهيم عليه السلام بذبح العجل وهذا كان كرمه عليه السلام وأحضر عجل سمين وشواه خصيصا لهم وقربه إليهم، فلما أيديهم لا تصلوا إليه خاف منهم في السر لأنهم لا يريدون تناول الطعام، وقالوا لا نأكل طعاما إلا بثمن، فقال كلوه بثمن قالوا ما ثمنه ؟ قال أن تقولوا في بدايته بسم الله وعند نهايته الحمدلله، فقالوا الحق أن يسميك الرحمن خليل الرحمن.

سارة تضحك ثم يتم تبشيرها بولادة اسحاق وطول عمرها

ولما عرف أنهم من الملائكة، قالوا له لا تخف إنا رسل ربك، وفي آية أخرى إنا أرسلنا لقوم لوط وأخبروه بمهمتهم لتدمير قوم لوط.

وكانت سارة واقفة تخدم ضيوف ابراهيم عليه السلام، فضحكت قبل أن تبشر. وقال العلماء ضحكت لما سمعت الخبر أن قوم لوط سيدمرون لأنهم كانوا قد ملئوا الأرض فسادا.

يقول عنهم لوط عليه السلام ما أعلم على الأرض أهل قرية أخبث  من هؤلاء، ولما سمعت أنهم سيدمرون استبشرت وضحكت.

وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب، يعني تم تبشيرها بأنها ستلد اسحاق ويمتد بها العمر وترى حفيدها يعقوب يعني ثلاث بشارات.

رد فعل سارة بعد البشرى بولادة اسحاق

فاندهشت سارة وأصاحت كيف تلد وهي عجوز وزوجها شيخ عمره كبير، مضيفة أن هذا شيء عجيب، فرد عليها الملائكة قائلين هل تعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد. فكانت هذه البشرى بميلاد اسحق عليه السلام.

وفاة اسحاق عليه السلام

ومات اسحاق عليه السلام عن عمر حوالي مئة وخمسة وسبعين سنة كذلك ودفن كذلك في مدينة الخليل أما اسماعيل عليه السلام فدفن في مكة المكرمة، وله قصة سنرويها مع يعقوب عليه السلام ويوسف.

يعقوب عليه السلام

يعقوب له اسم آخر وهو اسرائيل ومعناها عبد الله وهو ابن اسحاق عليه السلام ابن ابراهيم أبو الأنبياء، وهو كان نبي من أنبياء الله سبحانه وتعالى، وكان يتقي الله وهو من البشرى التي تم تبشير جدته سارة به زوجة جدهابراهيم وهو ابن سيدنا يوسف المشهورة قصته في القرءان الكريم في سورة يوسف.

سيرة يعقوب نبي الله

يعقوب هو ابن اسحاق ابن ابراهيم ويقال له اسرائيل أيضًا وهو نبي من أنبياء الله أرسله إلى قومه وذكره الله تعالى في ثلاثة مقاطع في القرءان الكريم:

المقطع الأول: بشارة ميلاده.

المقطع الثاني: بشارة الملائكة لجده ابراهيم عليه السلام.

المقطع الثالث : ذكر في موته في قصة يوسف بإشارة له.

يقول الله سبحانه وتعالى أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) ( سورة البقرة).

قصة يعقوب عليه السلام مع أبناءه ويوسف

ولد في فلسطين ثم رحل إلى بلاد العراق إلى آرام من أرض بابل بالعراق وتزوج من ابنة خاله العراقي، ورزقه الله تعالى منها بـ 12 ولدا يعرفون بأسباط بني اسرائيل، وولدوا جميعا بأرض العراق ماعدا بنيامين الأخ الشقيق ليوسف عليه السلام، فقد ولد في أرض فلسطين.

وقصة أولاد يعقوب عليه السلام معروفة وهو التأكيد على أن النسب وحده لا يكفي لأن يكون شفيعا للانسان، فهؤلاء نبي من أنبياء الله حقدوا على أخيهم يوسف عليه السلام لأنه كان جميل الصورة مستأثرا بحب والديه وخاصة أبيه يعقوب.

وقرروا التخلص منه واستدرجوا أباهم واستأذنوه في أخذ يوسف عليه السلام لـ اللعب في الحدائق وألقوه في البئر ومر بعض السيارة فوجدوا يوسف في البئر، ففرحوا به، ورحلوا معه إلى مصر وسنعرض عنها أكثر في سورة يوسف عليه السلام.

وفقد يعقوب بصره لغياب ابنه يوسف وحينما جاءه قيمص يوسف ارتد بصيرا وارتحل من أرض فلسطين إلى مصر وعاش فيها سبعة وستون عاما كما تروي بعض الروايات وارتحل هو وابناءه وعاش في كنف يوسف عليه السلام لكنه أوصاه بأن يدفنه في نفس المقبرة التي دفن فيها أبوه وجده اسحاق، وابراهيم عليهما السلام وعند وفاته نقله يوسف عليه السلام في موكب عظيم إلى مقبرة المكفيلة التي دفن فيها كل من ابراهيم وولده اسماعيل عليه السلام.

وفاة يعقوب عليه السلام

توفى يعقوب عليه السلام وعمره 170 عاما وكان يطمئن على اسلام ابناءه بعدما ابتلى بلاء كبير جدا في ابنه يوسف عليه السلام وفي قصة يوسف سنتحدث أكثر عن المقطع المشترك بين يوسف ويعقوب أبيه.

يوسف عليه السلام

قصة سيدنا يوسف مذكورة بالكامل في القرءان الكريم في سورة باسمه وقد نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعدما توفيت زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وعمه ابو طالب الذي دعمه معنويًا وماديًا وسمى العام الذي توفوا فيه بعام الحزن، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا فجاءت هذه الصورة لتسليه وتذكره بأن لا يحزن فإن بعد الشدة الفرج وإن مع العسر اليسر، وجاءت حافلة بالأخبار والدروس والعبر العجيبة، وقصص القرءان الكريم موزعة على القرءان الكريم بالكامل إلا قصة يوسف عليه السلام فقد كانت كاملة في السورة.

فهرس

  • بداية قصة يوسف عليه السلام
  • حسد اخوة يوسف له
  • اخوة يوسف يتفاوضون مع أبيهم يعقوب ليأخذوه لـ اللعب
  • اخوة يوسف يعودون لأبيهم يعقوب بعد التخلص منه
  • إنقاذ يوسف عليه السلام من البئر

يقول القرطبي, ذكر الله أقاصيص القرءان وكررها على درجات من البلاغة والبيان، وذكر يوسف عليه السلام ولم يكررها فلم يقدر مخالف على معارضة شيء ينافس القرءان، فالمجمل والمفصل والاطناب كله من اعجاز القرءان.

بداية قصة يوسف عليه السلام

البداية بالرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام وهو صغير لأبيه يعقوب رأى 11 كوكبًا ومعهم الشمس والقمر يسجدون له، ويعقوب عليه السلام لم يعرف تـأويل هذه الرؤيا لأنه لم يكن عنده تأويل الأحلام لكن عرف أن فيها تكريم عجيب ليوسف عليه السلام، وكان يعلم أن أخوة يوسف يحسدونها فنهاه عن إخبار اخوته الـذين عددهم 11 أخ.

والـ 11 اخ ليوسف مكونون من بنيامين أخوه الشقيق من أمه وأبيه والباقي 6 من أم واحدة و4 من جاريتين. فأخوه الشقيق بنيامين لم يحسده فهو كان أصغر منه سنا، والآخرون كانوا يسحدونه لأنه كان محبوبًا عند أبيه، وكذلك بنيامين كان محبوب أيضًا ليعقوب عليه السلام.

وكان يعقوب حريص على تواجد يوسف معه دائمًا، ومن بين كل ابناء يعقوب اختار يوسف بل اختاره من بين كل اهل هذا الزمان ليعطيه النبوية ويعلمه تأويل الأحلام، ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب بالنبوة.

حسد اخوة يوسف له

تساءل اخوة يوسف لماذا يحب ابوهم يوسف عليه السلام ولا يحبهم وهم اكثر عددا، واساءوا له وقالوا انه ضال، فتشاوروا بأمرهم ووصل بهم الحقد والحسد والكراهية بيوسف أن يفكروا في قتله، وهنا تدخل أكبرهم واسمه يهوذا لا القتل أمر شديد، فقالوا اطرحوه أرضا وأبعدوه وانفوه يخلو لكم أبيكم ويتفرغ لكم وما ينشغل بيوسف عنكم، ثم عقدوا النية على المعصية ثم التوبة منها، وقال العلماء في ذلك أن باب التوبة متفوح فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار والعكس صحيح، وفي نهاية القصة تابوا فتاب الله سبحانه وتعالى.

فاتفقوا على عدم القتل، وأن يتم رميه في بئر على طريق القوافل بحث تمر قافلة وتأخذه منه.

اخوة يوسف يتفاوضون مع أبيهم يعقوب ليأخذوه لـ اللعب

وذهب اخوة يوسف إلى ابيهم يعقوب وقالوا له لماذا لا تأمنا مع يوسف ؟ أرسله معنا يلعب ويأكل كثيرًا وإنا له لحافظون، فقال لهم إني ليحزنني أن تذهبوا به ففراقه لا أطيقه ولا أصبر عليه وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون منشغلون في اللعب قالوا له : إننا مجموعة كبيرة ولن يأكله الذئب. فوافق في النهاية.

وتأتي الروايات أن اخوة يوسف كانوا يضربونه ويؤذونه حتى وصلوا إلى البئر واتفقوا على أن يضعوه في أعماق بئر في الطريق ( غيابات الجُب ) أي نهاية البئر التي لا يراها أحد. وهم ينزلونه في عمق البئر وصل إلى حجر في أسفل البئر فوقف عليه ولم يدخل في الماء.

وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى يوسف في هذه اللحظة بأنه سيخبرهم بما فعلوه من جريمة وهم لا يعرفون. وكأن الله يخبره ألا يخاف لأنه سيخرج من البئر سليمًا.

اخوة يوسف يعودون لأبيهم يعقوب بعد التخلص منه

وجاءوا إلى يعقوب في الليل يبكون بكاءً شديدًا وقالوا لأبيهم يعقوب إنهم عملوا مسابقة كبيرة وتركوا يوسف عن أغراضهم فأكله الذئب، ثم أتبعوا: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين" وكأنهم يقولون أنهم كاذبون.

وليحبكوا الكذبة ذبحوا شاة وصبوا دمها على قميص يوسف وجاءوا به إلى يعقوب فرد عليهم يعقوب : " ما أرحم هذا الذئب أكل ابني ولم يمزق قميصه"، ثم توجه لابناءه بالكلام: بل زينت أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون.

إنقاذ يوسف عليه السلام من البئر

وجاء مجموعة من المارة فذهبوا للبئر لشرب الماء فلما أخرجوا البئر قال الرجل الذي وجد يوسف : " يا بشرى" أي أنه استبشر بهذا الغلام الجميل، وكان هناك نظام العبيد والأرقاء تجارة رائجة، فأخفوه في نية لبيعه كالبضاعة، وخافوا أن يعود إلى أهله حتى لا يراه أحد وكانوا خائفين أن يكتشفوا فجعلوه في القافلة لكن خفي.

ولما وصلوا إلى مصر من مدين باعوه بثمن رخيص دراهم معدوادت، وذلك بسبب استعجالهم، وقال ابن عباس ( عشرون درهم )، واشتراه ( العزيز) وهو وزير مالية مصر وقال لزوجته أحسني إلى يوسف، عسى أن ينفعهم أو يقومون بتبنيه، لأن العزيز كان عقيم وعنين لا يأتي النساء فلم يكن لديه أولاد.

فتربى يوسف عليه السلام في بيت وزير المالية وكأنه ابن العزيز ولما أصبح شاب بدء يدير شؤون قصر الوزير، وكذلك مكّن الله ليوسف في الأرض، وصار في هذا المكان والاكرام.

وعلّم الله يوسف في ذلك الوقت تفسير الأحلام، ونشأ نشأة صالحة ليس فيها فجور أو عصيان لله سبحانه وتعالى، فكان يوسف من أعلم الناس.

زوجة عزيز مصر تريد أن تمارس الحب مع يوسف

كان يوسف عليه السلام شديد الجمال حتى إذا سار بجوار حائط ينعكس نوره على الحائط، وفي رحلة الاسراء والمعراج قابل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سيدنا يوسف وقال عنه : " لقد أوتى شطر الجمال" أي نصف جمال البشر.

وبسبب جماله لم تستطع زوجة العزيز الصبر وامتلأ قلبها حُبًا ليوسف وأرادت أن تمارس الحب معه فبدأت تتلطف وراودته أي الطلب برفق ولين وبدأت تغويه وتغريه بكافة المغريات، واستعملت كل أساليبها كأنثى.

وقالت له ( هيت لك ) يعني تهيأت لك فتعال، فرد عليها يوسف عليه السلام ( معاذ الله ) يعني لا يمكن أن يفعل ذلك لأنها فاحشة ومع مَن مع الرجل الذي أكرمه وزير المالية، مضيفًا: " إنه ربي أحسن مثواي ) يقصد أن ربه: عزيز مصر أحسن إقامته الطويلة فكيف يخونه مع زوجته.

وتابع يوسف: " إنه لا يفلح الظالمون" يعني أنه ظلم والله لا يجعل الظالمين فالحين. إذًا يوسف عليه السلام رفض الزنا لأن الله أتاه حكما وعلمًا وكان من المحسنين.

ويقول الله عن الموقف ( ولقد همّت به ) يعني عزمت إليه ( وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) يعني دافع يوسف عن نفسه وابتعد عنها ولم يقترب منها، ولم يخطر بباله حتى أن يقترب منها.

بالتالي ما قاله بعض المفسرون أن يوسف أراد الفاحشة واضطجع معها غير صحيح، المنطق ينفي ذلك لأن الله اتاه حكما وعلما وجعله من المحسنين ويعرف فضل العزيز عليه وأن الزنا ظلم.

وحتى الخاطر لم يأتي ببال يوسف عليه السلام لماذا ؟

لأنه رأى برهان ربه.. وما هو هذا البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام؟

رأى شيئًا جعله لا يفكر حتى تفكير ولا تخطر بباله رغبة ممارسة الحب مع زوجة وزير مالية مصر. واختلف المفسرون في تأويل ( البرهان ) قالوا: رأى جبريل عليه السلام. وقيل رأى : يقعوب يعض أصبعه. وقيل رأى : على الحائط إنه كان فاحشة وساء سبيلا. وقيل رأى: العزيز.

والله أعلم لم يأتِ حديث نبوي صحيح لتفسير الآية لكن الثابت أنه رأى شيئًا منعه من التفكير حتى في ممارسة الحب معها. وبذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء، وهذا دليل آخر على أنه لم يهم فقال الله عنه ( إنه من عبادنا المخلصين)، وهذا مدحٌ آخر ليوسف عليه السلام فكيف يكون عبد ومخلص وكل هذه الصفات ويفكر في الزنا.

زوجة عزيز مصر تواصل ملاحقة يوسف لاغتصابه وزوجها فجأة يظهر

بدأ يجري يوسف عليه السلام نحو الباب ليهرب منها لكنها سابقته وجرّته حتى يبتعد عن الباب وهو مصر فانشق قمصه من خلفه، وفي هذه اللحظة يفتح الباب بالمفتاح ويدخل وزير المالية ويرى هذا المشهد، زوجته متجملة ومتزينة ومتعلقة بيوسف عليه السلام.

ففورًا أرادت أن تدافع عن نفسها فقالت: " ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ يعني ماذا يستحق من يريد ممارسة الفحشاء مع زوجتك؟! واستدركت وقالت حتى لا يفكر زوجها بقتله – إلا أن يسجن أو عذاب أليم، وفورًا دافع يوسف عليه السلام عن نفسه فقال: " هي راودتني عن نفسي".

وشهد شاهد من أهلها.. من هو هذا الشاهد ؟

هناك روايتان الرواية الأولى تقول كان طفل رضيع في البيت فنطق قال : " هي راودته عن نفسه" معجزة من الله سبحانه وتعالى.

والرواية الأخرى أنه كان مع العزيز ابن عمها فقال: " انظر أين انشق القميص إن كان القميص تم تمزيقه من الخلف فكذبت وهو من الصادقين. وإن كان قميصه قُد من الأمام فصدقت وهو من الكاذبين". فلما رأى العزيز أن القميص تم تمزيقه من الخلف قال : " إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم" يعني هذا مكر منكم ودهاء.

ردة فعل وزير مالية مصر بعدما اكتشف انحراف زوجته

يقول سيد قطب رحمه الله وزير مالية مصر كان من الطبقة الارستقراطية التي معاني الشرف لديه ليس لها قيمة. فلو كان له قيمة لغلبته الحمية وقتل يوسف.

لكن ماذا فعل قال : " يوسف أعرض عن هذا" ابتعد عن هذا وقال لزوجته : " استغفري لذنبكِ إنكِ كنتِ من الخاطئين".

ولم يخرج زوجته من البيت ولم يعاقب يوسف، وهكذا تكون حالة الحياة الارستقراطية التي ينتزع منها الشرف والقيمة، ويصبح الانسان ديوث لا غيرة فيه.

النساء الارستقراطيات يعبن على زوجة العزيز وما فعلته مع يوسف

وانتشر الخبر وبدأ النساء يتحدثن بهذا الخبر وذكر القرءان ذلك، وبدأت النساء تعيب على امرأة العزيز.

وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه يعني تريد أن تمارس الحب مع عبد، لقد وصلت إلى قمة الانحراف.

لذلك قامت زوجة العزيز بدعوتهن إلى وليمة ( حفل عشاء ) وأعددت لهن وسائد للاتكاء عليها، فجلسن متكئات وأعطتهن بعض العشاء الفواكه ( تفاح) ووزعت على كل واحدة منهن سكينًا، فلما بدأن يقطعن التفاح قالت لـ يوسف عليه السلام: اخرج عليهن.

فدخل يوسف المجلس فحينما نظرن النساء لجمال يوسف فبهتن.

يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا المشهد : " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهنّ" يعني أنهن قاموا بجرح أياديهن وهن لا يشعرن من شدة جمال يوسف عليه السلام.

وقالت النساء حاشا لله ما هذا بشر إنما هذا ملك كريم. وهنا ردت عليهن بأنها راودته عن نفسه لكنه استعصم وامتنع، فكيف تقومون بلومي عليه ؟! وهذا دليل آخر على أنه لم يهمّ بها، ورغم ذلك هددت يوسف عليه السلام بالسجن أمام النساء لممارسة الحب معه.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل هاجمت النسوة جميعًا عليه، ليست امرأة العزيز فقط، وانبهرن بجمال يوسف عليه السلام.

لذلك دعا يوسف ربه بأن يصرف كيد النساء عنه، حتى لا يقع في الفحشاء، واستجاب الله له وعصمه الله سبحانه وتعالى وابتعدت النساء عنه.

وزير مالية مصر يسجن يوسف عليه السلام حفاظا على سمعة زوجته المنحرفة

وانتشر الخبر بين الناس وصارت سمعة امرأة العزيز تلوكها الألسن، وهنا استاءت فجاءت إلى زوجها وبدءوا يتشاورون، أن الناس بدأوا يصدقون أن هي التي تريده وليس هو. فقالت فضحني هذا الأمر فاستر عليّ، قال العزيز: ماذا أفعل؟! وبعدما تشاوروا فعلوا فعلا عجيب.

يقول ابن عباس: " فأمر العزيز بيوسف فحمل على حمار وضرب به بالطبل ونودي به في أسواق مصر أن يوسف العبراني أراد سيدته فجزاءه السجن ".

يعني أرادوا قلب الآية ليتهمون فيها البريء وسيتم معاقبته بالسجن. وذاك قول الله عز وجل: " ثم بدا لهم من بعد ما رآوا الآيات ليسجننه حتى حين".

أمر وزير مالية مصر أن يسجن يوسف عليه السلام بعدما قاموا بنشر براءة زوجته وتزييف الحقائق واتهام يوسف عليه السلام زورًا بأنه هو الذي أراد ممارسة الفحشاء مع زوجة العزيز. لما دخل السجن رأى السجناء صلاح يوسف عليه السلام، وخيره وفضله وعبادته لله رب العالمين.

اثنين من السجناء يطلبان تفسير رؤيتهما من يوسف

في ليلة من الليالي رأى شابان رؤيتان فلما استيقظا ذهبا إلى يوسف عليه السلام وقال أحدهما : " إني أراني أعصر خمر"، وقال الآخر: " إني أرى أني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه" وطلبا من يوسف أن يقوم بتفسير الرؤيتين لأنه من المحسنين.

فأجاب يوسف وبدأ بالدعوة إلى الله والتوحيد، قبل الاجابة قال لن يأتيكما طعام إلا وفصلت لكم الطعام الذي سيدخل، حتى يعرفوا أنه ملهم ومحدث من عند الله رب العالمين، ذلك من علم الله عز وجل.

يوسف عليه السلام يدعوا إلى الله والاسلام

واستمر يتحدث يوسف عن الله سبحانه وتعالى مع المساجين فقال: " إني تركت ملّة قوم لا يؤمنون بالله وهُم بالآخرة هُم كافرون واتبعت ملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب".

يعني يعرفه بنفسه فقد كان الناس تعرف ابراهيم عليه السلام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام ردا على سؤال مَن الكريم ؟، فقال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم، نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، وهذا ليس لأحد إلا يوسف.

واستمر يوسف في الدعوة إلى الله: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) " ( سورة يوسف).

يعني أن الله واحد والشريعة التي تحكم الأمر هي الشريعة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى وليست العبادة فقط، لابد من تنفيذ العقيدة والشريعة.

يوسف عليه السلام يفسر الرؤيتين

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) ( سورة يوسف )

فقال الرجل الذي علم أن تفسير رؤيته القتل لم تكن الرؤية هكذا فرد عليه يوسف بأن الأمر قضى وهذا قضاء الله.

يوسف عليه السلام طلب من ساقي الخمر أن يتحدث عنه معه الملك

بعد ذلك قال يوسف عليه السلام للرجل الذي ظن أنه سينجو ويسقي الملك الخمر، أن يحكي له قصته وأنه في السجن.

وفعلا تم قتل احدهما والاخر خرج من السجن واصبح في خدمة ملك مصر، لكنه نسى أن يحكي قصة يوسف عليه السلام.

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) ( يوسف).

وأراد الله أن يعلم يوسف عليه السلام درسا، في رواية انه جاءه جبريل قال يا يوسف من نجاك من اخوتك قال الله، قال من أنقذك من الجب قال الله، قال من حررك بعدما صرت عبدا، قال الله، قال من عصمك من النساء؟ قال الله، قال فعلام تطلب النجاة من غيره.

بعد 7 سنوات زيادة في السجن رؤيا الملك تخرج يوسف من السجن

وقضى يوسف عليه السلام 7 سنوات أخرى في السجن ولا يدري عنه أحد، ليكون ابتلاء آخر عليه.

ومرت الأيام إلى أن رأى الملك رؤيا :" وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) سورة يوسف.

رأى ملك مصر أنه يقف على ضفة نهر وعنده 7 بقرات سمينات، فجاءت 7 بقرات هزيلات وبدأت يأكلن البقر السمين، ورأى 7 سنبلات خضر، وبقربها 7 سنبلات يابسة فجاءت السنبلات اليابسة تلتف على السنبلات الخضر فأهلكتها.

وطلب من مستشاريه ووزراءه وحاشيته أن يقوموا بتفسير الرؤيا إن كانوا يعرفون تفسير الاحلام.

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) سورة يوسف.

أي أن وزراءه قالوا هذه احلام غير صحيحة وانهم لا يعرفون في تفسير الاحلام.

يوسف عليه السلام يفسر رؤيا ملك مصر

ساقي الخمر ( السجين السابق) يرشد الملك عن يوسف مفسر الاحلام

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) ( سورة يوسف).

وهنا قال خادم ملك مصر بأن هناك يوسف الصديق مفسر الأحلام مسجون في السجن، فذهب الخادم إلى يوسف عليه السلام وقال له يا يوسف أيها الصديق، فسر لنا الحلم الخاص بالملك وروى له الحلم، ففسرها يوسف عليه السلام فقال أن هناك سبع سنين الزراعة والخير سينتشر في مصر ولم يكتف بالتأويل وإنما وضع الخطة في كيفية التصرف.

وطلب أن الحصاد لا يوضع في المخازن حتى لا يأكله السوس. إلا القليل مما يأكلون منه. وأن يترك الباقي في سنبله، لأنه ستأتي 7 سنوات شديدة لا مطر ولا زراعة، فستكون سنوات قحط، وستقضي على كل المدخرات إلا القليل مما يمكن الزراعة به.

ثم زاد على الرؤيا وقال : ثم يأتي عام فيه الغوث والخير وتأتي الزراعة من جديد ويعصر الناس مرة أخرى.

ملك مصر يطلب إخراج يوسف من السجن

فذهب الساقي وأخبر الملك فسر الملك بذلك، وطلب بعد ذلك أن يأتي يوسف من السجن، ويأتي إلى الملك

فرفض يوسف عليه السلام الخروج من السجن. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله يوسف والله لو دعيت أنا للخروج من السجن لخرجت".

رفض يوسف وطلب من مبعوث الملك أن يجمع النسوة اللاتي راودن يوسف عن نفسه ويسألهم عن حقيقة سجن يوسف، فنفذ الملك وخاطب النساء.

يوسف يطلب الملك بأن يحقق في قضيته سجنه ظلمًا

وتدخلت زوجة العزيز في اجتماع الملك ونسوة الوزراء، وفصلت الأمر امرأة العزيز واعترفت وقالت أن يوسف صادق.

وأضافت امرأة العزيز أنها لم تخن زوجها مع يوسف، وأن نفسها كانت سيئة.

يقول الله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) ۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) ( سورة يوسف).

ملك مصر يطلب من يوسف أن يحصل على منصب في الحكم

فطلب ملك مصر من يوسف أن يعيش في قصر الحكم، فاختار يوسف عليه السلام بأن يكون عزيز مصر وصار وزير مالية، ومكّن الله عز وجل في الأرض وأحسن له.

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) (سـورة يوسف).

خرج يوسف عليه السلام من السجن، وأعجب الملك بحكمة وعلمه وعينه عزيز مصر أي أنه وزير مالية مصر.

يقول الله في سورة يوسف : وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57).

ونظرًا لتربية يوسف في بيت وزير المالية تعلم شؤون الإدارة وبعلم ربه بدأ يدير شؤون مصر وترك له الملك التصرف، وفي رواية قال الملك لـ يوسف ( يا يوسف ليس لي من الحكم إلا الكرسي فقط).

يوسف عليه السلام يحارب الاحتكار واستغلال رجال الأعمال

فبدأ يدير شؤون البلاد إدارة عظيمة، بدأت سنين الخير 7 سنوات واستطاع أن يدير مصر بصورة جيدة، ثم جاءت سنوات المجاعة وأثرت على مصر وفلسطين، واشتد الجوع على مدين وأصبح سعر الطعام مرتفع للغاية.

ووصلت الأخبار إلى فلسطين أن العزيز بمصر مازال يبيع الطعام بنفس الثمن قبل المجاعة، فبدأت القوافل تأتي من فلسطين إلى مصر تشتري الطعام من يوسف عليه السلام.

وكان يبيعهم الطعام بنفس السعر وبشرط لا يبيع إلا حمل بعير لكل شخص حتى لا يأتي التجار ويأخذ الطعام ثم يرفعوا الأسعار على الناس.

فكان الذي يريد أن يشتري لابد أن يأتي بأهله، لكل واحد من الأسرة يحصل على حمل بعير.

اخوة يوسف يأتون بقوافلهم للشراء منه دون أن يعرفوه

وجاء اخوة يوسف من فلسطين لمصر فعرفهم وهم لم يعرفونه، وقبل أن يشتري منهم بدأ التحقيق معهم وسألهم من أنتم ؟ ومن أين جئتم؟ ثم اتهمهم بأنهم جواسيس؟ فبدءوا يجيبون ويقولون له كل التفاصيل. وكان اخوة يوسف خائفين، وبعد ذلك أكرمهم ولما جهزهم بالبضع والسلع.

يوسف يطلب منهم أن يأتوه بأخ لهم للتأكد من أنهم ليسوا جواسيس

طلب منهم أن يأتون بأخ لهم من أبيهم، لأنه يعطي في الوزن بزيادة وكان كريم وهذا شأن التاجر المسلم الآن، وكان يضيف الضيوف إلى أن يسافروا، وإن لم تفعلوا ذلك فأنتم جواسيس وعيون، وإلا لم يعطيهم السلع.

يقول الله تعالى: وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) ( سـورة يوسف).

يوسف يضع بضاعة اخوته في رحالهم حتى يأتون مرة أخرى

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) ( سورة يوسف).

وحينما شاهدوا البضاعة التي يتبادلونها بالطعام مع يوسف عليه السلام ذهبوا إلى ابيهم وقالوا له إن عزيز مصر لن يتاجر معنا إلا لو جئنا بأحد من أهلنا مثل أخوهم بنيامين، وطلبوا منهم أن يتركه يسافر إلى مصر.

فقال يعقوب بعدما آمنتكم على يوسف هل آمنكم على بنيامين ؟! فألحوا عليه وأصرّ فيسئوا، ولما وجدوا البضاعة التي يقايضون بها موجودة ألحوا مرة أخرى لمواصلة السفر إلى مصر ومعهم اخوهم الصغير ليتاجر معهم مرة أخرى.

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) ( يوسف).

اخوة يوسف يصرون على أن يصطحبوا اخيهم بنيامين في رحلتهم لمصر

فأصر يعقوب عليه السلام بأن يقسم ابناءه بالله أن يحفظون بنيامين ابنه، وقال بعد ذلك بعدما ودعهم طلب من ابناءه الدخول من ابواب متفرقة، لأنهم 11 شاب من منتهى القوة خاف عليهم من الحسد.

لأن العين حق، فالعين تنزل القبر ممكن يموت الانسان بسبب الحسد، ونفذوا فعلا ما طلبه يعقوب منهم، رغم ان لو كان مقدر لهم ضرر سيحدث مهما كان الحذر.

يقول الله تعالى:

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) ( سورة يوسف).

يقول العلماء عن يعقوب عليه السلام إنه لا يتكلم جملة إلا وفيها ذكر الله سبحانه وتعالى وهذا من علمه عليه السلام.

يوسف يلتقي بأخيه بنيامين في مصر

ولما دخل اخوة يوسف إلى مصر مرة أخرى جعل كل اثنين من الاخوة في منزل، وظل بنيامين أخيه بمفرده وطلب منه أن يظل معه في القصر، ولما انفرد به عانقه وضمه وكشف له كل شيء وقال له أنه اخوه، ولا يحزن من ضرر اخوته وايذاءهم له.

لما أتى اخوة يوسف بأخيهم بنيامين ضمه له في قصره وأخبره عن القصة بالكامل وأنه أصبح عزيز مصر وما حدث له، لكنه كان يريد ان يبشر أبيه يعقوب عليه السلام بأنه سيقابله ففعل التالي.

يوسف يضع خطة لابقاء أخيه لديه في القصر

ولما قام يوسف عليه السلام باعطاء اخوته كل واحد حمل بعير ( جمل ) من الطعام والمؤن، وضع (السقاية) : وهو اناء الملك الذي كان يقاس به المكيال – في بعير اخيه، ثم قال أحد رجال يوسف عليه السلام يا قافلة أنتم سارقون ففورًا اتجهوا إليه وقالوا له : " ماذا تفقدون؟ " لم يقولوا ما الذي تفقدوه؟ قال المسؤولون المصريون : نفقد صواع الملك ( ولقد كان مرصع بالجواهر ) ومن جاء به يحصل على حمل بعير من السلع الغذائية.

فرد عليهم اخوة يوسف: " تالله تعلمون أننا لسنا لصوص ولم نأتِ للافساد في الارض".

فقال المسؤولون المصريون: " وما جزاء من نجد فيه قافلته صواع الملك؟ "

رد اخوة يوسف: " من تجدوه في راحلته يصير عبد لديه.. فالسارق يصبح عبدًا"، هذه كانت شريعة يعقوب عليه السلام.

وكانت شريعة مصر في ذلك الوقت إما أن يقتل أو يضرب ويغرم الضعف. فاراد يوسف عليه السلام أن يحكم بحكم يعقوب وليس بحكم مصر. وبدأ يوسف بالتفتيش بأوعية الآخرين ثم استخرجها من وعاء أخيه، وهذه كانت خطة من الله سبحانه وتعالى، فلو كان الحكم على شريعة الملك ماكان يأخذ أخاه إلا أن يشاء الله.

فبعدما وجد المصريون الصواع في بعير بنيامين، قال اخوة يوسف إن يسرق فقد سرق اخاه من قبل.. وقد سرق يوسف من قبل صنما كان يعبده جده من أمه، حيث كان كافر فسرقه يوسف وكسره فهُم يشيرون إلى هذا ولم يقولوا انها سرقة جيدة.

فاغتاظ يوسف عليه السلام من حديثهم، لكن كظم الغيظ ولم يبده وقال في نفسه: " أنتم شر مكان .. أنتم الأسوأ .. والله أعلم بما تصفون". وبدءوا يراودون يوسف عليه السلام بأن يأخذ أحد منهم مكانه لأن أبيهم شيخ كبير، ووصفوا يوسف بأنه من المحسنين. فرفض يوسف عليه السلام ذلك، فحاولوا وحاولوا حتى يئسوا ولما استيئسوا خرجوا وتجمعوا وبدءوا يتكلمون في السر.

يقول أحد الأعراب لما سمع هذا الكلام : " والله ما يقول هذا بشر" فهذا اعجاز القرءان الكريم.

أكبر أبناء يعقوب يرفض العودة لمصر إلا مع بنيامين أو اذن ابيه بالعودة

وقال كبيرهم أن يعقوب جعلهم يقسمون بأن يعيدوا بنيامين، وألا يضيعوه مثلما أضاعوا يوسف عليه السلام، فرفض ترك مصر حتى يأذن له أبوه يعقوب بالعودة وطب منهم الرجوع.

فقالوا لأبيعهم يعقوب ان ابنك سرق، وانهم لا يعرفون شيئًا، ولو أنه لا يصدق ارسل الناس المصريين، او المسافرين معنا، وانهوا حديثهم بقول ( وإنا لصادقون)، فلم يصدقهم وقال ان الله سيأتيهم بهم جميعا وتولى عنهم وأخذ يبكي.

ثم فقد نظره بسبب البكاء الشديد، وجاءوا اولاد يعقوب يحذرونه من الموت والتعب الجسدي بسبب البكاء والاكتئاب فرد عليهم بأنه يشكو حزنه إلى الله ثم جاءه الأمل من جديد.

يقول الله تعالى:

فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) ۞ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) (سورة يوسف).

يعقوب يتفاءل بعودة يوسف وبنيامين

تفاءل يعقوب عليه السلام بعودة ابنيه وطلب من أولاده بأن يذهبوا إلى مصر ولا يفقدوا الأمل لأن من يفقد الأمل كافر بالله تعالى، فأطاعوا أبيهم وأخذوا بضائع زهيدة ودخلوا على يوسف مرة أخرى، ولما دخلوا عليه قالوا له إن المجاعة اشتدت عليهم، والطعام نفذ وكانوا يستعملون الطعام لمدة سنة وكانت كل رحلة بينها وبين الأخرى سنة. فالسنة الثالثة كان انتهى الطعام عندهم.

وطلبوا من يوسف قبول البضاعة الزهيدة وأن يتصدق عليهم فالله يجزي المتصدقين. فوصل اخوة يوسف إلى أقصى درجات الذل أمامه، وهنا قال لهم يوسف عليه السلام هل علمتم ما جعلتم بيوسف وأخيه وأنتم جاهلون؟! قالوا له أنت يوسف حقًا ؟!

وبين هذا الموقف والقاءه في الجُب 22 سنة، فقكان عمره 12 سنة والآن عمره 34 سنة لم يعرفوه. فقال لهم انه يوسف ومَن الله عليهما. إن من يتقتي ويصبر الله يكرمه، وعفا عنهم وأعطى قميصه إلى اخوته ليعطوه لأخيه.

يقول الله في سورة يوسف:

يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)

اخوة يوسف يرسلون قميصه إلى ابيهم يعقوب

يعقوب عليه السلام أول ما تحركت الإبل من مصر، شم رائحة القميص من مسافة 8 أيام، مضيفا أنا اخاف أن تقولوا عني خرفت، فقال المتواجدون مع يعقوب أنت مازلت على نفس الضياع، فلما جاء البشر القى القميص على وجه يعقوب فارتد بصيرا بمعجزة من الله عز وجل، فقال لهم ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون قالوا يا اباءنا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئن قال لهم سوف استغفر لكم ربي، يعني قام بتأجيل الاستغفار بعدما يهدأ من الغيظ الذي فقي قلبه.

يوسف يلتقي بيعقوب وأمه وتتحقق رؤياه

وحينما سافر يعقوب عليه السلام إلى مصر هو وزوجته التقوا بيوسف فضمهما وقال لهم ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين، ورفع أبويه على العرش.

وهنا الكُل سجد له اخوانه وأمه وأبوه وخروا له سجدًا.

والسجود في هذا الوقت كان جائز وهو سجود التكريم وليس سجود العبادة، وقالوا يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل، قد جعلها ربي حقا.

يقول الله تعالى  اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) ( سورة يوسف).

ثم دعا الله سبحانه وتعالى بأن يختم له في آخر حياته بالخير فقال:

۞ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)

شعيب عليه السلام

جاء بعد نبي الله يونس عليه السلام، نبي آخر اسمه شعيب عليه السلام ويختلف المؤرخون فيما إذا كان قبله أو بعده.

لكن شعيب عليه السلام هو نبي عربي ينتسب إلى مدين بن مديان ابن ابراهيم عليه السلام فهو من ذرية مدين من ذرية ابراهيم عليه السلام.

وخرج في قرية اسمها مدين، والقبيلة التي تسكنها تسمى مدين، وكانت قرب مدينة معان وهي مدينة مشهورة في الأردن اليوم.

فكانت مدين قرب معان قرب بحيرة لوط والبحيرة هذه أصلها أن الله سبحانه وتعالى لما أمر جبريل فنزع قرية لوط من الأرض فجعل عاليها سافلها ودمرهم جعل مكانهم بحيرة وهي مشهورة ومعروفة اليوم عند البحر الميت.

سيئات قوم شعيب اهل مدين أصحاب الأيكة

وكان قومه كفرة فجرة يعبدون الأصنام ويقطعون الطريق، وكانوا يقفون في طرق التجارة يأخذون الجمارك ظلمًا من الناس ما يمر أحد عليهم إلا ويأخذون منهم عشر اموالهم.

وكانوا تجار غشاشين والأنبياء عليهم السلام بالاضافة إلى ارجاع الناس للعقيدة السليمة والعبادة الصحيحة لله كانت لهم مهام اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، فموسى عليه السلام كان يواجه طغيان فرعون، وشعيب كان يواجه قضية اقتصادية انتشار الغش في الأسواق، ولوط عليه السلام كان يواجه قضية اجتماعية.

الدين ليس فقط عبادة وعقيدة وانما معايشة لأمر الواقع فهذا منهج الأنبياء فإذا كان انحراف بين القوم فكانوا يواجهون هذا الانحراف، وكان الانحراف السائد في مدين انحراف التجار وكثرة الغش، وكانوا يعبدون كذلك شجرة تسمى الأيكة ولذلك أسماهم الله بأصحاب الأيكة.

شعيب يدعوا أهل مدين بالتوقف عن المعاصي التي يرتكبوها

نهاهم نبي الله شعيب عن الغش وعن الجمارك وعن بقية المعاصي المذكورة في الايات من سورة الصافات

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) ( سورة يوسف)

ولكنهم رفضوا وكذبوا وقالوا ما المذكور في سورة ( هود)

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87).

أي سألوه بسخرية واستنكار هل الصلاة تأمر بأن هناك تشريعات في الأموال الخاصة بهم، واستهزءوا به في مقولة ( إنك لأنت الحليم الرشيد).

فلما وصل بهم الأمر إلى ذلك بدأ ينذرهم

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)

وذكرهم بما حدث للأقوام الأخرة من قوم نوح وهود وصالح ولوط القرية منهم وكان هذا الانذار الأول.

ولم يمتنع قوم شعيب ويعودوا إلى الله وقالوا له

قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) ( سورة الشعراء)

يعني كذبوه وطلبوا بأن يسقط عذاب الله، ووصل الأمر إلى التهديد للنبي بالنفي

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) ( سورة الأعراف).

وبدءوا يلعبوا معه ويسخرون ويقولون أنهم لا يفهمون ما يقوله

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) ( سورة هود)

يعني قالوا انهم لا يفهمون ما يقوله ويرونه ضعيف ولولا قبيلته لرجموه بالحجارة، وفي هذه المرحلة دعا الله عليهم ويفصل بينه وبينهم.

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) ( سورة هود).

وفعلا بدأ العذاب ينزل على مدين ولم يكن صنف واحد بل أصناف من العذاب:

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) ( سورة هود).

ما هو عذاب قوم شعيب

أوقف الله الهواء وعذب قوم شعيب ( قوم مدين)، وظلوا أيام لا يوجدهواء، واشتد الحر حتى كادوا يهلكوا ثم إن الله سبحانه وتعالى أرسل غيمة كبيرة خارج القرية وفيها الظلّ، فجلسوا تحتها فلما جلسوا تحت الظلّ بدأت الأرض تتزلزل تحتهم فسقطوا جميعا على ركبهم ثم جاء جبريل عليه السلام فصرخ فيهم صرخة واحدة فماتوا أجمعين.

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) ( سورة الشعراء).

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) ( سورة الأعراف).

وانصرف شعيب عليه السلام وهو متحسر وهو يقول، وعاش في مدين وبدأ الناس يأتون إلى مدين مرة أخرى وبدأت تنتعش وكان أكثرهم على الإيمان، فبقيت مدين وحفظت وجاء بعد ذلك موسى عليه السلام.

أيوب عليه السلام

اليوم نتحدث عن قصة نبي الله أيوب مثال يحتذى فيه للصبر، اسمه أيوب بن موص ابن رازح ابن العيص ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهم السلام، فهو من ذرية اسحاق عليه السلام.

ابراهيم عليه السلام كان لديه ولدان اسماعيل، واسحاق.. جميع الأنبياء من ذرية اسحاق ماعدا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الوحيد من ذرية اسماعيل. من اسحاق جاء يعقوب عليه السلام ويسمى كذلك اسرائيل فلما يقال بني اسرائيل يعني ذرية يعقوب عليه السلام.

يعقوب كان له 12 ولدًا هؤلاء الأولاد يسمون كذلك الأسباط وجاء ذكرهم في القرءان الكريم.

هل كان هم أنفسهم الأنبياء أم الأنبياء في ذريتهم ؟

كثير من العلماء يشير إلى أن الأسباط ليسوا هم أبناء يعقوب عليه السلام لأنهم كانوا قد حاولوا قتل يوسف وكذبوا على أبيهم وفعلوا أشياء منكرة وهذا لا ينبغي للانبياء. فيقولون أن الأسباط هم أبناء ذرية يعقوب عليه السلام.

انقسمت بنو اسرائيل إلى 12 قبيلة وكل قبيلة تسمى سبط ومن هنا جاء الاسباط وانقسمت هذه القبائل.

فأيوب من ذرية اسحاق عليه السلام:

يقول الله تعالى عن ابراهيم عليه السلام : " وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) ( سورة الانعام )

أيوب عليه السلام النبي المرسل

يقول الله تعالى في سورة النساء: ۞ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)

بعثه الله تعالى إلى قوم حوران في الشام وكان صلى الله عليه وسلم غني أتاه الله النعم، كان عنده الدواب الكثيرة وكان عنده أعداد هائلة من العبيد ورزقه الله الأراضي فكان تاجر كثير التجارة، ورزقه الأولاد فكان له سبع أولاد وسبع بنات وكان صاحب صحة موفورة وقوة وجسم عظيم، وكان له أعداد كبيرة من الأصحاب، فأتاه الله سبحانه وتعالى أصناف النعيم.

ثم إن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبتليه ليكون اختبارا له ويكون قدوة للناس من بعده في مسألة الصبر وجاء الابتلاء ففنى ماله حتى صار فقيرا، ومات أولاده الواحد تلو الآخر جميع الأولاد والبنات يموتون جميعا في حياته.

أيوب عليه السلام يبتلى فيفقد ماله وابناءه وصحته

وابتلاه الله بالمرض الشديد حتى وصل به المرض أنه أقعد لم يستطيع الوقوف وحتى أنه كان يسقط اللحم من جسمه فوصل به الابتلاء الشيء العظيم وفقد الأصحاب وخافوا من أن تنقل لهم عدوى، وما بقى منه إلا صاحبان يحدثانه من بعيد، وما كان أحد يخدمه إلا زوجته الوفية عليها السلام.

وأخذت زوجته تعينه فكانت هي التي تطعمه وتشربه وتغسله وتنفق عليه من مالها، حتى فنى مالها جميعا فأخذت زوجته تعمل بالأجرة تخدم الناس لاطعام زوجها.

النبي المرسل مبتلى بهذه الصورة واستمر أيوب عليه السلام في هذا البلاء 18 عاما وهو صابر لا يشتكي لأحد، على هذا الحال والفقر والمرض فقالت له زوجته لو دعوت الله عز وجل يعني يفرج عنهم، ما كان يدعوا بالتفريج كان راضي بقضاء الله ويحمده على كل شيء.

فقال لها كم لبثنا في الرخاء؟ قالت ثمانين سنة. قال إني استحيي من الله أن أدعوه ما مكثت في بلائي المدة التي مكثتها في رخائي. ما أدعوه أن يشفيني ويفرج عني ويرزقني إلا أن يمضي علي ثمانين سنة.

فعندها يئست فقالت إلى متى هذا البلاء؟!

فغضب وأقسم بالله أن يضربها مئة سوط إن شفاه الله.

ووصل بها الأمر أن الناس ما عادوا يستأجرونها، خوفا من نقل المرض من زوجها. وظل على هذا الحال جائعين وفي يوم أتت له بطعام فتساءل فلم تخبره.

وإذا هي ذهبت فباعت ضفيرتها لكي تأكل هي وزوجها وبعد أيام انتهى الطعام فذهبت وحلقت باقي شعرها وباعته. فتعجب من أين لكِ الطعام؟! وسكتت وألح فألح فكشفت عن شعرها فإذا هي حليقة الشعر.

أيوب يدعوا الله سبحانه وتعالى بالخير

عندها لما وصل به الأمر لهذا الحال قال قولة ليست هي دعاء صريح.

يذكرها الله في كتابه العزيز :

۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) ( سورة الأنبياء)

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ( سورة ص )

ما نسب الشر إلى الله بل نسبه إلى الشيطان، ولم يدعوا فقط أظهر الحال، وعندها استجاب الله سبحانه وتعالى فورًا.

فصبر أيوب يضرب به المثل على مر التاريخ، فلما دعا ربه بهذه الطريقة كشف الله عنه العذاب:

يقول الله ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) سورة ص

ضرب برجله فانفجر ينبوع من الماء واغتسل وشرب ورجعت صحته في لحظات وشفي.

وجاءت زوجته ما عرفته فقالت له هل رأيت هذا المبتلى نبي الله؟! والله ما رأيت رجلا أشبه منك به إذ هو صحيح.

فقال ما عرفتيني ؟

قالت من أنت؟!

قال أنا أيوب!!

الله سبحانه وتعالى يعيد له الصحة والولد والمال والزوجة والشباب

وأعاد الله سبحانه وتعالى له نعمة الأهل. يقول ابن عباس : الله لم يكرمه فقط بل أكرمت زوجته التي صبرت على البلاء، فرجعها شابة وولدت لـ أيوب ستة وعشرون ولدا.

يقول الله: وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) سورة ص

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) سورة الأنبياء.

وأرجع الله سبحانه وتعالى له الغنى فورًا، يروي الإمام البخاري وأحمد وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بينما أيوب يغتسل عريانًا إذ خر عليه رجل جراد فإذا هي جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثيابه فقال الرب عز وجل يا ايوب ألم أكن أغنيتك عما ترى، فقال أيوب بلى يارب ولكن لا غنى لي عن بركتك".  - رجل جراد يعني طائفة من الجراد.

فرجع ماله وأهله وصحته بعد هذا الصبر العظيم الذي صبره، والله رفق بزوجته حيث قال الله تعالى له :

الله يشرع لـ أيوب تشريعًا حتى لا يحنث في قسمه

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) سورة ص.

أي يأخذ 100 قشة ليضرب زوجته ولا يحنث بقسمه، يعني ما تركت القسم وبررته، فرحم الله زوجته بهذا الأمر من الله سبحانه وتعالى.

يقول الله تعالى:

۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) سورة الأنبياء.

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) (سورة ص).

ذو الكفل عليه السلام

هو ابن أيوب عليه السلام وكان اسمه بشر وسمى ذا الكفل لأنه تكفل لقومه أن يكفيهم أمرهم يعني أي واحد محتاج يتكفل به وتكفل بنيهم أن يكون قاضي بالعدل، وتكفل بأمر لله عز وجل ووفى به، تكفل بأن يقوم الليل كل الليلة ويصوم النهار ولا يفطر وتكفل لله عز وجل ألا يغضب وعاش حياته وممات وهو موفي بهذ الأمور التي تكفل بها فسمى ذا الكفل، وكان صابرا وارثا للصبر من أبيه أيوب عليه السلام. ولم يذكر لنا من قصته هذه الأمور.

ذكره الله سبحانه وتعالى في صورة الأنبياء

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86)

وصف الله سبحانه وتعالى اسماعيل وادريس وذا الكفل أنهم من الصابرين ومن الصالحين.

وذكره في صورة ص: وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ (48)

خلاف بين العلماء ما بين اذا كان ذا الكفل رسول ام لا

يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: إن الخلاف بين العلماء في ذي الكفل خلاف مشهور، لكن الجميع اتفق على أنه رسول، بدليل أن الله سلكه في مرتبة هؤلاء الرسل.

قال علماء ليس برسول بل هو متطوع بالموضوع، فاليسع حينما كبر أراد أن يستخلف أحد من الرجال من المسلمين ويستعمله في حياه لينظر ويعلم كيف يسير.

فلما اجتمعوا قال من يتقبلني بثلاث ( يعطيني ثلاث استخلفه على الناس )، قالوا فقام رجل تزدريه العين ( يعني ليس لديه مهابة بين الناس ) فقال: أنا، ثم جاء في الغد وقال هذا القول، فقال نفيس الرجل: أنا.

فاستخلفه بين الناس بثلاثة أشياء:

  • صيام النهار.
  • قيام الليل.
  • عدم الغضب.

وهذه موازين الحكم الثابت لأن الصيام معناه أنه يمتنع عما أحل الله، فالذي يمتنع عما أحل الله هل يرتكب ما حرمه الله؟! لا ينفع.

والذي يقوم الليل معناه أنه يضحي براحته من تعب نهاره وهو النوم في سبيل أن يظل مع الله في صحبة ولقاء.

ولا يغضب معناه أن موازينه في الحكم بالعقل لا تتأثر بالغضب لأن الغضب يجعل ملكات النفس تختلط ولا يصح الحكم فيها.

وبهذا وافق الله على استخلاف ذو الكفل مثلما هارون اخو موسى بالتالي هو رسول مادام الله سكت عنه وأقر عمله ولكنه مرسل.

فكان رجل فسد الزمان في أيامه وكان نزيه من أجل علاج هذا الفساد. ولما تطوع ذو الكفل بمنهج الله.

يونس عليه السلام

يونس بن متى الملقب بـ ذا النون و صاحب الحوت وهي قصة نادرة ذكرت في القرءان الكريم، وبعثه الله إلى قرية عظيمة هي نينوى التي تقع في شمال العراق مقابل الموصل يفصل بينهما نهر دجلة.

يقول ابن كثير إن نينوى في زمنه كان فيها أصنام منكفئة على وجهها.

بعث الله يونس إلى قوم نينوى رسولا.

يقول الله في سورة " الصافات ": " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. الاية 139.

وكانت نينوى بها عدد سكان كثيرون، يقول الله عز وجل وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. ( سورة الصافات).

وكانوا على الكفر وظل يونس يدعوهم سنين وهم على كفرهم ثم إنهم تجبروا وطغوا وهددوه بالأذى كما فعل بالأنبياء من قبله.

فعندها أنذرهم 3 أيام وخرج عنهم غضبان، والله أعطاه الإذن بأن ينذرهم ثلاثة أيام ولم يعطه الإذن أن يخرج، يقول الله سبحانه وتعالى : " وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ" ( سورة الأنبياء الاية 87).

وبالتأكيد ليس المقصود أنه ظن أن الله لن يقدر عليه بمعنى أن الله يعجز عنه، وإنما المقصود كما جاء في رواية عظيمة ومهمة عن معاوية رضى الله عنه قال لابن عباس رضى الله عنهما: " لقد ضربتني أمواج القرءان البارحة فغرقت فيها فلم أجد لي خلاصا من هذا الغرض مالم أجد لي خلاصا الا بك. فقال له ابن عباس: ما هي؟ فقال معاوية: يظن يونس نبي الله أن لن يقدر الله عليه، فقال ابن عباس ليس هذا، هذا من القدر وليس من القدرة".

يعني حرت في تفسير القرءان، وطلب التفسير من الصحابي ابن عباس لأنه كان أعلم الصحابة بالقرءان، فالله يستعمل القدر وليس من القدرة فيقول ( ومن قدر عليه رزقه ) يعني ضيق عليه رزقه. فتفسير ظنّ أن لن يقدر عليه معناها ظن أن لن يضيق عليه، لأنه نبي كريم وهؤلاء قوم عصاة وسيقع عليهم العقاب.

يونس يترك قومه بدون اذن ربه

وذهب يونس عليه السلام إلى البحر وفي هذه الأثناء بدأت علامات العذاب تظهر على نينوى، وأقبلت عليهم غيمة سوداء كبيرة وبدأ يظهر من الغيمة الشرر ورأوا الغيمة في اليوم الأول فعرفوا أن العذاب سيحل بهم كما توعدهم يونس عليه السلام وكانوا يعرفون ما حدث من قوم لوط، فاجتمع رؤوساهم وقالوا صدق يونس والله هذا هو العذاب، ليس لكم منجاة من عذاب الله إلا أن تؤمنوا وتتوبوا فآمنوا جميعًا.

ولبسوا الثياب المرقع وأخذوا يبكون ويتبكلون ويسألون الله سبحانه وتعالى المغفرة وخرجوا إلى التلال وفرقوا بين المرأة وابنها حتى يبكون.

الله يغفر ذنوب قوم يونس وينجيهم من العذاب

واستغفروا الله فرحمهم الله سبحانه وتعالى فصرف عنهم العذاب.

يقول الله تعالى : فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (98). ( سورة يونس).

بالتالي لم تؤمن قرية بكاملها إلى قوم يونس وهذا من رحمة الله عز وجل.

يونس عليه السلام وقصته مع الحوت

ذهب يونس عليه السلام إلى السفينة للبحر ويقول الله في سورة الصافات " إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140).

وكلمة ( أبق) تطلق على العبد الآبق الذي يهرب من الرق. يعني أنه ترك قومه وفر فذهب إلى سفينة وكانت مزدحمة ثقيلة.

وهاج البحر وتخفف الربان من احمال السفينة، وقالوا لابد من القاء البشر حتى تخف السفينة الثقيلة، وعملوا قرعة ليرموا ويرموا إلى أن تخف السفينة فبدءوا بالقرعة وأول من خرج سهم يونس عليه السلام فرفضوا لأنه شاب عليه آثار الصلاح، واقترعوا مرة أخرى، فخرج سهم يونس فتعجبوا، قالوا مرة ثالثة، فخرج سهم يونس، وتم رميه من السفينة، فالتقمه الحوت، والحوت هي السمكة الكبيرة وليست بالضرورة أن يكون الحوت الذي نعرفه.

فأوحى الله إلى الحوت ألا يأكل له لحما، أو يهشم له عظمًا، وعرف يونس عليه السلام أنه المقصود فبدأ يلوم نفسه كيف خرج من إذن الله، فهذه أول علامات التوبة أن يلوم الإنسان نفسه.

دعاء يونس في بطن الحوت

وبهذا سجن يونس في بطن الحوت، وأقل الروايات ثلاثة أيام وروايات أخرى تقول سبعة وأكثر الروايات اربعين يوما محبوسا في بطن الحوت.

فنادى يونس عليه السلام في الظلمات ( ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر، وظلمة الليل) فكان ظلام دامس لا يرى شيئًا، فلولا أنه كان من المسبحين لـ لبث في بطنه إلى يوم يبعثون، فترك الدعاء واستمر في التسبيح.

والروايات تقول أنه لما نزل به الحوت إلى أعماق البحر بدأ يسمع تسبيح المخلوقات، وقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

كل هذا لخروجه بدون استئذان من الله، لماذا ؟

لأنه رسول لابد أن ينفذ أوامر من يرسله بدقة وأي مخالفة لمن أرسله يستحق عليه العقاب، وفي هذه القصة تذكير للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تنفيذ أوامر الله بدقة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء إلا استجاب له".

فنجاه الله سبحانه وتعالى ونجاه من الغم وكذلك ينجي الله المؤمنين، وسأل أحد الصحابة إذا ما كانت دعوة يونس في بطن الحوت نجاة ليونس لوحده أم للمؤمنين من بعده فقال النبي : " ليونس خاصة وللمؤمنين عامة ألم تقرأ قول الله وكذلك ننجي المؤمنين ".

الحوت يقذف بيونس عليه السلام إلى الأرض

فقذف الحوت يونس إلى منطقة ليس بها شجر وهو مريض يقول المفسرون ذهب جلده، ولا يستطيع أن يتحرك، فظل مستلقي وتحدث المعجزات وتنبت شجرة عنده من يقطين واليقطين يقال له الذباء وهو نوع من أنواع القرع.

قال عنه المؤرخون لماذا اختار الله اليقطين؟!

قالوا أوراقه كبيرة فكانت له ظل فغطته حتى لا تؤذيه الرياح. وكان فيها رائحة طيبة تؤنسه، وكانت هذه الرائحة من خصائصها أنها تطرد الحشرات، فما تأتيه الحشرات لـ لحمه المكشوف واختار الله هذه الشجرة حتى تحميه من الأذى بأصنافه.

ويقول المفسرون كذلك وأرسل الله تعالى له أروية وهي أنثى الوعل، والوعل هو الغزال الكبير.

وأنثى الوعل كانت تأتيه حتى تصل إليه فتفتح رجليها فوقه وتنزل ضرعها له فيشرب فكان هذا طعامه، وظل على هذا الحال إلى أن شفى وقام صحيحا مرة أخرى رحمة من الله، ولما عادت له الصحة بعثه الله إلى قومه مرة أخرى، ما يزيد عن مئة ألف وكلهم آمنوا بدعوة الله.

موسى عليه السلام

حرصنا في سرد هذه القصة بربطها بكتاب الله سبحانه وتعالى القرءان الكريم، للتدبر وعدم هجرة القرءان ونظرا لوجود العديد من الاسرائيليات التي لم تثبت في قصة موسى عليه السلام.

نبي الله موسى هو كليم الله سبحانه وتعالى، وهو من أولي العزم وكان خالص لله عز وجل وليس للشيطان فيه نصيب، وكان رسولا أيضا.

وصف نبي الله موسى

اسمه موسى ابن عمران ابن لاوي ابن يعقوب ابن ابراهيم عليهم السلام، فليس بينه وبين يعقوب مسافة طويلة وكان كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراض ( فأما موسى فآدم جسيم) يعني اسمر البشرة وقوي وضخم، وكانت من صفاته أن فيه حبسة في كلامه مثل تأتة لكن لم يمنعه ذلك أن يكون نبي من أولي العزم من الرسل، واستعان بهارون عليه السلام.

بنو اسرائيل يتكاثرون في مصر في عهد يوسف عليه السلام

بنو اسرائيل هاجروا من فلسطين إلى مصر في زمن يوسف عليه السلام، ففي آخر قصة يوسف سافر يعقوب وزوجته وابناءه وهاجروا من فلسطين إلى مصر وعاشوا هناك، ويقول المؤرخون: دخلوا مصر وتعدادهم ستة وثمانين شخص وتكاثروا وتناسلوا ولما خرج بهم موسى عليه السلام كانوا 600 ألف هذا كله بعد عهد يوسف عليه السلام.

وكان الملك في زمن يوسف ( فرعون ) ولقب فرعون هو لقب يدل على الدولة الفرعونية التي يسير عليها نظام الحكم في مصر.

وفرعون مصر في زمن يوسف عليه السلام كان الريان ابن الوليد، وقد ترك الأمر ليوسف عليه السلام وكان يكرمه رغم اختلاف الديانات، لأن يوسف كان حكيم وأنقذ مصر من الهلاك، فعاش بنو اسرائيل كالملوك في زمن يوسف.

بعد وفاة الريان جاء قابوس ابن مصعب ( فرعون مصر) وكان ظالم وكافر وأذى بني اسرائيل اذى شديد بعد وفاة يوسف عليه السلام، ثم جاء من بعده فرعون اخر هو الوليد بن مصعب اخو قابوس ابن مصعب وكانت زوجته آسيا بنت مزاحم رضى الله عنها.

آسيا زوجة فرعون موسى

والتي قال فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم: " ما كمل من النساء الا اربع اسيا زوجة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد".

فآسيا كانت صالحة مؤمنة وأراد فرعون أن يأخذها أمة من أبيها فأبى أبوها وقال هي صغيرة فرد فرعون وقال ليست صغيرة، فقال ابوها ادفع مهرها فجاء ابوها وقال لها فرعون يريدك فقالت كيف أتزوج من من كافر قال إذًا أهلك ويهلك أهلكِ معكِ، فقبلت بالزواج منه حرصا على الزواج منه ورفضت أن تتزوج أمة وعاشت معه وهي كارهة له.

فرعون (الوليد بن مصعب) يدعي الاولوهية ويضطهد بنو اسرائيل

فلم تكن آسيا كافرة بل كانت مؤمنة، وكان الوليد ابن مصعب ( فرعون موسى) كفار جبار وصل به الكفر إلى أنه ادعى الأولوهية من دون الله عز وجل.

فرعون يقسم المجتمع المصري لطبقات وبنو اسرائيل عبيد

قسم الوليد بن مصعب الناس في مصر إلى طبقات ومن أقل الطبقات في هذا الزمان هم بنو اسرائيل فأذلهم ذلا شنيعا بعدما كانوا كالملوك، فأصدر أوامره بأن بني اسرائيل بالكامل عبيد وكان يستعملهم في السخرة بالعمل، ونساءهم اماء وجعل هذا حكم عام ليس فقط له بل الطبقة العالية من الأقباط سكان مصر، فجعل أهلها شيعًا أي فرقهم.

بشرى بانتهاء حكم فرعون ونجاة بنو اسرائيل

وكان بنو اسرائيل ينتظرون الخلاص من هذا الذل الذي هم فيه، وكانت عندهم بشارة تقول أنه سيأتي غلام من بيت فرعون يخلصهم، وقيل إن البشارة جاءت على شكل رؤيا رآها فرعون، حيث رأى نارا تخرج من بيت المقدس فتأتي نحو مصر فتحرق ديار مصر إلا ديار بني اسرائيل.

فاستشار فرعون الكهنة عن تفسير هذه الرؤيا فقالوا يولد لبني اسرائيل مولود يكون فيه هلاكك.

فرعون يصدر قرارا ملكيا بقتل ذكور بنو اسرائيل

فخاف فرعون وأصدر أمره الشنيع بقتل كل من يولد من بني اسرائيل، وكان هارون عليه السلام قد ولد وجاء هذا الأمر وأم موسى عليه السلام حامل، وقال اتركوهن حتى يلدن فإذا ولدن البنات الاناث يتركن، أما الرجال الأولاد يقتلون، يستحيي نساءهم يعني يتركهم يولودون احياء، ويقتل رجالهم.

وبدأ جنود فرعون يراقبون كل امرأة عامل وأرسل يهدد القوابل يخبرون عن اي امرأة حامل، ولو لم تفعل تقتل القابلة فكانت القابلة تخبر فرعون بكل مولود جديد.

أم موسى الحامل تخشى على رضيعها القتل

كانت أم موسى تتستر عن القوابل إلى أن جاء لها المخاض فولدت، ولا يشعر بها أحد إلا أهلها المقربون فلما ولدت خافت على ولدها فبدأت تخفيه ما استطاعت، إلى أن جاءها الالهام حيث وقع في روعها وايحاءات شديدة ولم ينزل عليها الوحي.

الوحي هنا بمعنا الالهام ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليكِ وجاعلوه من المرسلين ) يعني تقوم بارضاعه ثم ربطه في سلة ووضعه في النيل لو جاء تفتيش ولا تحزن.

الأصمعي سمع جارية تنشد بيات من الشعر فقال لها ما افصحكِ فقالت ما فصاحة بعد قول الله تعالى: " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليكِ وجاعلوه من المرسلين" فيها خبران وأمران وبشارتان في جملة واحدة.

أم موسى تترك ابنها الرضيع في النيل

خافت أم موسى فتركت موسى في النيل واخته بدأت تراقبه ومشى إلى أن وصل لقصر فرعون على النهر، فتحرك التابوت الذي فيه موسى عليه السلام ونزل عند ساحل الشط عند قصر فرعون بقدرة الله سبحانه وتعالى.

فألتقطه آل فرعون ليكون لهم عدو وحزنًا، لأن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين أي أنهم خطئوا عمدًا.

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ( القصص).

موسى يدخل قصر فرعون

فقال فرعون قرة عين لكِ وليس لي، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو قال قرة عين لي لما أصابه العذاب".

وأصبح فؤاد أم موسى فارغا، يعني خلى بالها من كل شيء إلا ذكر موسى حينما يملأ قلب الأم بحب ابنها، فالرحمة التي فيه مهمة جدا.

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة القصص:

وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

الرضيع موسى يعود لأمه ويكرمها قصر فرعون

ورفض الرضيع موسى المراضع جميعا وأخذوه إلى السوق لكي يبحثوا له عن مرضعة، فأخته كانت تتابع الخبر، فدلتهم على بيت أمها، فأرسلت إليها آسيا قالت ( تكونين عندي بالقصر ) فرفضت أم موسى عليه السلام الذهاب للقصر وقالت ( عندي عيال وزوج ولا استطيع أن أترك بيتي ) ولأنه رفض ان يرضع من غيرها فكانوا يأتون به إليها، وأكرمت أم موسى اكراما عظيما، فكان قوات فرعون يهدون لها الهدايا

تربى موسى عليه السلام وأصبح شابا في قصر فرعون وأتاه الله الحكم والعلم، فقد كان مؤمنا على دين يعقوب واسرائيل ولم يكن على دين فرعون ويعلم أنه من بني اسرائيل والناس يعرفون انه من بني اسرائيل لكن يقيم في فرعون ويتحكم في شؤون القصر نيابة عن فرعون، وكان عادلا عليه السلام.

موسى عليه السلام يقتل مصري خطأ

ومرت الأيام وكان يسير في الشارع وحده في وقت ليس من عادة الناس الخروج فيه، فوجد رجلان يقتتلان واحد من الاقباط وآخر من بني اسرائيل فاستعان الاسرائيلي على المصري فموسى أخذته الحمية لأن بنو اسرائيل مستضعفين فهجم على المصري فضربه لكمة ليدفعه عن الاسرائيلي لكن موسى عليه السلام لم يكن مقدر لقوته، ومن لكمة واحدة قتله.

فقال موسى عليه السلام هذا من عمل الشيطان أي لم يقصد بل الشيطان الذي جعله لا يقدر قوته بهذه الطريقة، واستغفر الله عز وجل فغفر له، فشعر بأن الله تاب عنه فوعد الله بأنه لن يساعد ظالم بعد الآن لكنه خاف أن يقتل بهذه الجريمة فأصبح في المدينة يترقب وخائف، وسبحان الله يجد نفس الرجل الاسرائيلي يتقاتل مع واحد قبطي مصري مرة أخرى، ويستنجد بموسى فقال له موسى إنك صاحب مشاكل كل يوم عندك مشاكل، لكن أيضا أراد الدفاع عن الاسرائيلي، فلما أراد أن يبطش باللذي هو عدو لهما ( المصري) فقال المصري: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.

وعرف أن موسى عليه السلام هو الذي قتل في اليوم السابق وهناك بعض المفسرين يقولون أن الذي قال هذه الكلمة هو الاسرائيلي ردا على وصف موسى له بـ ( الغوي المبين)، فظن الاسرائيلي أنه يريد أن يبطش به، وهذا وارد.

يذكر الله هذه القصة في سورة القصص فيقول

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19).

موسى يهاجر من مصر خوفا من ظلمه

وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) سورة القصص.

فعرف موسى عليه السلام ان الامر اتضح فاختبأ فجاءه واحد من أصحابه من آل فرعون، يحبه وحذره وقال له إن كبار القوم يعملون مؤامرة ضدك لكي يقتلوك، فاخرج وهاجر من مصر خاصة أن فرعون ما كان يحب موسى كثيرا، بل أبقاه من أجل آسيا وسادات القوم من ال فرعون كانوا يعرفون انه اسرائيلي وارادوا قتله.

شعيب يترك مصر مهاجرا إلى مدين ويلتقي بشعيب

ودعا الله بأن يهديه الطريق فخرج في الصحراء ليس معه طعام ولا شراب ولا ماء ولا يعرف الطريق ولا يعرف أين يذهب فسار في الصحراء، وانتقل من النيل إلى فلسطين ماشيًا على رجليه حتى تقطعت نعاله فأكمل المسير حافيًا، وكان يأكل ورق الشجر ووصل إلى قرية مدين، قرية نبي الله تعالى شعيب، وكان شعيب كان عمر وعاش إلى ذلك الوقت فوصل مدين في زمن شعيب بعد تدمير أصحاب الأيكة الذين كانوا يعبدون الشجرة.

ولما ورد ماء مدين خارج المدينة التي يخرج الناس والرعاة هناك، فوصل ووجد الرعاة يأخذون من البئر الماء ويصبونه في الاحواض والدواب تشرب، وكانت هناك أحواض للناس يستقون منها ووجد عند الماء امرأتان معهم غنم ويبعدن الغنم عن الماء.

فوجد ازدحام عند البئر وشاهد الامرأتان اللاتي يبعدان الغنم عن الماء، فقالوا له ان ابوهما شيخ كبير فساعدهما في السقي، ثم تولى إلى الظلّ وجلس تحت شجرة ودعا الله فقال ربي إني بما أنزلت إليّ من خير فقير.

يروي ابن عباس رضى الله عنه: " أنه كان قد وصل مدين وقد ذهبت جلدة رجله، وقد التصق بطنه بظهره من شدة الجوع، وقد خرج ورق الشجر من فمه فصار أخضر".

سمعت احدى الابنتان بهذا الأمر أي دعاءه لله عز وجل، فذهبتا إلى ابيهما شعيب واخبرتاه بالخبر وعادا إلى موسى عليه السلام ليكافئوه فجاءتهما احداهما تمشي على استحياء، وقالت إن أبيها يدعوه ليجزيه أجر ما سقيت لهم.

فذهب معها في الطريق من شدة حياءها كانت تسير وراءه وما كانت ترشده بالكلام ولكن كانت ترشده بالحصى بسبب الحياء والأدب.

فلما حكى له القصة في مصر، فقال له لا تخف، وطلبت ابنة شعيب بأن يتم استئجار موسى عليه السلام لأنه قوي وأمين.

وشعيب كان فقير أيضا وأراد أن يزوج ابنته لموسى عليه السلام ولم يكن يمتلك شيء ولا يستطيع دفع مهر وهنا طلب منه أن يزوج ابنة لهما على أن يعمل لديه ثمان سنوات كمهر لها فإن أتممها عشرة فهي من عندك.

فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضاهما موسى فقال صلى الله عليه وسلم ( أتمها وأوفاها ) يعني عشرة سنوات.

يقول الله تعالى في سورة القصص

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28).

لما أتم نبي الله موسى عليه السلام العمل عند شعيب أبو زوجته عشر سنوات، أراد العودة مرة أخرى إلى مصر بعدما هدأت الأوضاع وأصبح فرعون لا يبحث عنه.

ولما عاش موسى عشر سنوات وهدأت الأمور شعر بأنه يستطيع العودة بعدما تغير وجهه وشكله، وأراد التسلل ليزور أمه وأخته وأخيه في مصر. وفي طريقه إلى مصر مع زوجته، ضل الطريق في ليلة باردة ولم يكن معه شيء يشعل به النار.

الله يكلم نبيه موسى عليه السلام في وادي طوى

وقد رأى من على مسافة بعيدة نور وكأنه نار فطلب من زوجته الجلوس، والذهاب من أجل الحصول على نار للتدفئة أو يجد أحد يدله على الطريق ولما وصل إلى النار وإذا مشهد عجيب جدا فلم تكن نارا فقد كانت نورا.

كانت نور من شجرة ذات شوك شجرة كبيرة من داخلها نور فتعجب موسى واقترب لهذه الشجرة المنيرة ولما اقترب قربا شديدا يتأمل ما هذه الشجرة المنيرة ؟ فلما أتاها بدأ النداء الرباني في أعظم حديث مباشر بين الرب والانسان.

وأمره الله بأن يخلع نعليه، وأنه يتحدث مع الله بالوادي المقدس طوى، في وادي يسمى طوى في جبل الطور، وأنه مختار ليكون نبي وأنه الله لا اله الا هو وأمره بالعبادة واقامة الصلاة لذكره، وحذره من يوم القيامة والابتعاد عن الذين لا يؤمنون بها.

يقول الله عز وجل:

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) ( سورة القصص).

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16) ( سورة طه).

وبعد ذلك أمر الله سبحانه وتعالى من موسى عليه السلام أن يلقي عصاه في الأرض فإذا هي تتحول إلى حية بصورة سريعة، فهرب موسى عليه السلام من الموقع، ولم يعقب ولم يلتفت.

فناداه الله عز وجل وقال له يا موسى اقبل ولا تخف إنك من الآمنين، وأمره بأن يأخذها.

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) ( سورة القصص).

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (21) سورة طه.

ثم أمره بأن يدخل يده في فتحة الثوب الذي يرتديه، أو يدخل يده تحت ابطه ففعل موسى ذلك،فلما أخرج يده وإذ هي تلمع كأنها الشمس

يقول الله سبحانه وتعالى:

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ (22) ( سورة طه).

فهي كانت معجزة كبيرة.

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( سورة القصص).

الله يأمر موسى بالذهاب إلى فرعون لدعوته للاسلام

وأمر الله موسى بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى الإسلام فدعا ربه بأن يحلل عقدة من لسانه يفقه قوله، وسبحان الله من بعد الدعاء إذا تكلم يتيء تيء وإن دعا فرعون والناس يكون في منتهى الفصاحة.

اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) ( سورة طه).

وطلب موسى عليه السلام أن يكون لديه مساعد هارون عليه السلام فاستجاب الله له.

تقول الايات

وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) ( سورة طه).

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) ( سورة القصص).

نبي الله موسى يذهب إلى قصر فرعون لدعوته إلى الله

لما ذهب إلى قصر موسى قال الحرس ارجع، فقال : " إني رسول " فظنوه رسول من ملك آخر فأدخلوه إلى فرعون فعرفه وكان مشهدا عظيمًا ذكر في القرءان الكريم بأكثر من صيغة.

ودخلا على فرعون وأبلغانه أنهما رسولا من رب العالمين من أجل اخراج بني اسرائيل من الذل الذي فيه، والايمان بالله عز وجل.

فرفض فرعون وقال له انه تربى في قصره ونشأ في الثراء، ثم قتل رجلا من المصريين وهرب، فقال موسى عليه السلام فعل ذلك فعلا عن دون قصد قتل خطأ، وفرر إلى مدين ثم عاد ووهب الله له حكمًا، وقال لفرعون :" هل هذه النعمة تمنها علي أن جعلت بني اسرائيل عبيدا".

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة (الشعراء)

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) الَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) ( سورة الشعراء).

فرعون يسأل عن صفات الله عز وجل

فسأل فرعون موسى عن صفات الله عز وجل فقال له رب السماوات والارض وما بينهما، وكان يتوجه موسى بالخطاب للحاضرين

يقول الله سبحانه وتعالى: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) ( سورة الشعراء).

فبدأ فرعون يقاطعه ويستهزيء به:

يقول الله تعالى:

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) ( سورة الشعراء).

فرعون يهدد موسى بالسجن إن لم يعتبره اله

وهذا منهج الطغاة فحتى لو رأى الدليل والحجة، يتعامل بعنف وسجون وبطش وهذا ما يحدث في كثير من البلاد الاسلامية اليوم.

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) (سورة الشعراء).

ظل يجادل فرعون موسى كثيرًا وهو مذكور في هذه الآيات

اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (48) قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ (51) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ (54) ۞ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (56).

وهنا شرح موسى عليه السلام لفرعون جميع صفات الله سبحانه وتعالى المذكورة في الآيات، ثم قاطعه وسأله عن ما حدث للناس في الماضي الذين لم يعبدوا الله، فرد عليه أن العلم عند الله ولا يغير الموضوع ثم بدأ يتحدث عن الله وعن خيره وكرمه على الأرض.

حان موعد اظهار معجزات موسى أمام فرعون

وبعد الجدال قال له موسى أنه نبي مرسل صاحب معجزات فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، أخرج يده من تحت ابطه فإذا هي منيرة للغاية وانبهر الجميع كل من فرعون ومن حوله.

واسترد فرعون اعصابه وقال له هل جئت بالسحر لكي تخرجنا من أرضنا؟!

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58) ( سورة طه).

أي أن فرعون اتهمه بالسحر وأنه لديه سحرة أيضًا يمكن أن ينافسوه في مؤتمر جماهيري حاشد بموعد محدد، فاتفقوا على أن يكون الموعد يوم العيد في ساعة الضحى

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) سورة طه

موسى يلتقي بسحرة فرعون

يقول الله في سورة طه:

فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ (60) قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ (61)

وهنا بعدما جمع فرعون سحرته حذرهم موسى عليه السلام من عذاب الله لنصرة الظالم فرعون.

سحرة موسى هم اربعين ساحر كان قد اختارهم فرعون وهم صغار وأجبرهم على تعلم السحر عند كبار السحرة وفعلا كبروا وصاروا هم كبار السحرة في مصر، منهم صغار وهم على السحر إلى أن كبروا وهم على السحر.

فهددهم موسى عليه السلام وأنذرهم فاجتمع السحرة بالسر ويتحدثون دون ان يسمعهم فرعون، وتكلموا كلاما خافتًا بالسر واختلفوا قالوا تعرفون كل هذا دجل الذي نقوم بفعله ونخشى أن يكون نبي فعلا وقد هددنا لأننا لو كذبنا على الله سنواجه العذاب، لكن بعد التشاور بين السحرة.

ذهب السحرة إلى فرعون وطلبوا الأجر لو كانوا هم الغالبون، فقال لهم أجل وسيتم تقريبكم فتكونوا من المقربين من بيت الحكم، فخطبوا في الناس

يقول الله

فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ (62) قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ (64) ( سورة طه).

وتراص اربعين ساحرا امام موسى عليه السلام أمام المصريين وبني اسرائيل، وبعدما رموا العصي والحبال فإذا هي تتحرك وتهتز بشكل عجيب كأنها تسعى حتى موسى عليه السلام سحره المشهد.

قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ (66) ( سورة طه).

ففزع الناس وفزع موسى عليه السلام

يقول الله تعالى:

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69) ( سورة طه).

وبالفعل القى موسى عصاه وتحولت لحية وأكلت باقي العصيان المخيل أنها ثعباين.

وحينها سجد السحرة وقالوا أنهم آمنوا بالله عز وجل، والله سبحانه وتعالى جعلهم ينقلبون على وجوههم بعد هزيمتهم، وهنا اتهمهم فرعون بأنهم متفقين مع موسى عليه السلام وانه كبير السحرة وهكذا يحاول أن يحول النبي ساحر ورئيس السحرة.

يقول الله سبحانه وتعالى:

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (74) ( سورة طه).

هنا فرعون هددهم بالقتل، بل أمر بقتلهم بعدما رفضوا العودة عن الايمان، وكانوا من أول من آمن من المصريين بعد الرجل الذي كان يسعى، وحذر موسى من فرعون وجنوده بعدما قتل رجل خطأ.

يقول ابن عباس رضى الله عنه: " ما آمن من المصرين إلا ثلاثة مع السحرة آمنت آسيا، وآمن الرجل الذي جاء يسعى، وآمن رجل من آل فرعون يكتم إيمانه، والباقي كلهم على الكفر".

فرعون يزيد العذاب على بني اسرائيل بعد مشاورته رجاله

وهنا بدأ يتشاور فرعون مع حاشيته فقالوا له زد العذاب على بني اسرائيل.

فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) ( سورة غافر).

وبدأ البلاء مرة أخرى مع بني اسرائيل، ثم بدأ يستهزيء بموسى، فقال سأقتل موسى وليدع ربه فهو يريد الفساد وتغيير ديانة المصريين.

فرعون يستهزيء بموسى عليه السلام

يقول الله : وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) ( سورة غافر).

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) ( سورة القصص).

لكن الله استعان بالله عز وجل من فرعون وجنوده وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) ( سورة غافر).

فتدخل فورا المؤمن من آل فرعون الذي لما رأى هذا المشهد آمن يقول الله:

وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)  ( سورة غافر)

وبالفعل جادل المؤمن من ال فرعون وذكرهم بما حدث من الاقوام السابقة، وما جاء به يوسف عليه السلام من الدين ولكنهم لم يؤمنوا به وكاد يقتله فرعون لكنه نجا.

لم يؤمن بدعوة موسى عليه السلام إلا بنو اسرائيل والثلاثة السابق ذكرهم

يقول الله : فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) ( سورة يونس).

البلاء ينزل على بني اسرائيل لايمانهم بموسى

وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) (سورة يونس).

فأوحى الله إلى موسى عليه السلام بأن يجعلوا علامات على كل بيوت بني اسرائيل حتى إذا يأتي اليوم الموعد يسهل اخراجهم، وزيادة الصلاة في البيوت، وأن الفرج سيكون قريب، فدعا الله على فرعون وأهله وأموالهم والجنود.

يقول المؤرخون فكان كبار القوم من اتباع فرعون تتحول اموالهم وحتى طعامهم إلى حجارة حتى إن البيضة والعدسة حجارة بدعوة موسى.

يقول الله تعالى في سورة يونس:

وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)

وبدأ البلاء واشتد على بني اسرائيل

قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) ( سورة الأعراف).

فيبشرهم موسى بأنهم سيكونوا الخلفاء في الأرض قريبا.

استمر فرعون في قتل بنو اسرائيل وترك نساءهم احياء، ولما اشتد البلاء قابله الله سبحانه وتعالى على المصريين، فجاء البلاء تلو البلاء على فرعون والمصريين، وبدأ القحط، واشتدت المجاعة، فعرف فرعون أن هذا من فعل موسى وطلب منه أن يرفع عنه ربه هذا الجفاف، فإن فعل سيتوقف عن ايذاء بني اسرائيل فوافق موسى، ودعا الله بأن يوقف الجفاف وتعود المياه إلى النيل، لكن رجع فرعون إلى تعذيب بني اسرائيل مرة أخرى، فجاء فرعون عذاب آخر، ونقص من الثمرات والفاكهة.

بدأت الشجرة العظيمة التي تخرج الثمار الكبيرة ما تخرج إلا حبة واحدة، والنخلة لا تخرج إلى بلحة واحدة، وبساتين العنب لا تخرج إلى قطوف واحد.

بلاء مقابل بلاء .. فاستدعى فرعون موسى مرة أخرى قال له ادع ربك أن يكشف البلاء واترك بني اسرائيل يخرجون معك.

فدعا موسى ربه فعادت الثمار، لكن رفض فرعون أن يترك بني اسرائيل يخرجون، يعني إذا جاء الخير قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة قالوا إنها من موسى ويتشاءمون منه رغم ان السبب هو كفرهم بالله عز وجل.

آيات العذاب تنزل بفرعون وهامان وجنودهما والمصريين

وبدأت الآيات:

الطوفان: فاض النيل وبدأ يغرق مصر إلا ديار بني اسرائيل.

الجراد: أي مزارع للمصريين تهلك بالجراد ومزارع بني اسرائيل لا يمسها شيء.

القمل: قيل السوس أو القمل الذي يوجد في الرأس لدرجة أن الرجل إذا اقترب من زوجته يقفز عليه القمل ولا يصيب بني اسرائيل ذلك بل المصريين فقط.

الضفادع: انتشرت الضفادع بين المصريين ولا تصيب المصريين يفتح الرجل الاناء يجد ضفدع ويأكل يجد ضفدع يقفز في فمه.

الدم: آخر الأيات التي استسلم لها فرعون وهي حاسمة فإذا كانوا يسقون من النيل الاسرائيلي يغرف يجد ماء، أما المصري لو أخذ منه يتحول إلى دم، ولو ذهبوا للابار الاسرائيلي يخرجها ماء، والمصري يخرجها دم، فذهبوا يطلبون الماء من بني اسرائيل فإذا صبها للمصري تتحول دم كمعجزة للمصريين واتباع فرعون، ورغم كل ذلك استكبروا ولم يؤمنوا، وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم العذاب جاءوا لموسى ليدعوا الله لو كشف عنهم العذاب ليؤمنون له ويرسلون معه بني اسرئيل فلما كشف عنه العذاب إذا هم لا يوفون بوعدهم.

وبهذا كان لفرعون وقومه 9 أيات اظهرها موسى عليه السلام وهي العصا، واليد التي تنير، والآية الثالثة السنين القحط، والاية الرابعة نقص من الثمرات وخمس ايات ذكرناها.

وكلما نزلت آية يستعينون بموسى للدعاء فيرتفع البلاء ثم يعود فرعون وجنوده لظلم بني اسرائيل فيبتلون مرة أخرى.

موسى يخرج من مصر مع بني اسرائيل

فأمر الله موسى أن يخرج من مصر مع بني اسرائيل في المساء وبدأ يطرقون على الابواب الخاصة ببني اسرائيل ليهاجرون، وانطلق 600 الف انسان في هجرة عظيمة من مصر نحو فلسطين.

ولما صار الصبح انتبه فرعون كيف سمح لبني اسرائيل أن يذهبوا إذًا من سيكون خدم للمصريين ولفرعون، وبعدما اعطى المواثيق بالسماح نكث على عهده.

وبدأ يتتبع بني اسرائيل وخرج فرعون وجنوده من جنات وعيون، واتبعوا بني اسرائيل وقت الشروق وبدأت المطاردة بعد تجهيز الجيش فوصل موسى عليه السلام ومن معه إلى البحر الأحمر بحر القلزم أحد جناحي البحر الأحمر والتفتوا ورائهم إذا فرعون مقبل بجيشه، فخاف اصحاب موسى من أن يتم ادراكهم، فقال لا إن الله معي سيهدين.

وفاة فرعون وجنوده وهامان غرقا

وهنا معجزة جديدة لموسى عليه السلام حيث ضرب بعصاه البحر فانقسم البحر الى قسمين كالجبل العظيم وجفف الله سبحانه وتعالى الطريق في البحر، وأمنهم الله.

فاتبعهم فرعون بجنوده ثم إن الله أقحم فرسه فتقدم فتقدم وراءه كل الجيش فبدأ يخوض البحر ولما عبر موسى ومن معه ونجا آخر واحد منهم، وهنا انطبق البحر على فرعون وجنوده بالكامل.

ولما شعر فرعون بأنه سيغرق ويموت قال : " آمنت بأنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين".

والتوبة لا تقبل عند الموت فرد الله عليه قال: " آلان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك " - يعني بقى جسده مومياء يراها الناس على مدى التاريخ حتى يعتبر به الناس.

في الحديث أن جبريل عليه السلام يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ما كرهت أحد كرهي لفرعون، ولو تراني يا رسول الله وأنا آخذ الماء وأرميه في فمه حتى لا يشهد الشهادة فيرحمه الله.

لكن رغم انه شهدها ما قبلها الله ونجا بنو اسرائيل وتجاوزوا البحر.

يقول الله في سورة الأعراف

وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137).

ويقول الله في سورة يونس

۞ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ

نتحدث في هذا المقال عن الأحداث التي جرت بعد غرق فرعون، وهذه الأحداث جرت في سيناء وفي فلسطين ( الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين)، فلما جاوز موسى عليه السلام وبنو اسرائيل البحر واتجهوا إلى سيناء ونجوا، جاءت الأوامر لموسى عليه السلام من ربه سبحانه وتعالى أن يأتي مع قومه إلى جبل الطور حيث واعده الله سبحانه وتعالى هناك أن ينزّل عليه التوراة لتكون شريعة له ولقومه.

موسى يستعجل ويذهب إلى الوادي المقدس

ووعده الله سبحانه وتعالى أن يأتي إلى جبل الطور ويقضي 30 ليلة ( شهر كامل ) يتلقى فيها التوراة وبدأ الناس يتحركون واستعجل موسى عليه السلام ليسبق قومه إلى جبل الطور ليرضي الله، وحرصا على أن يأخذ التوراة بسرعة.

عدد بنو اسرائيل كان 600 ألف تقريبًا وهو عدد كبير وحركته بطيئة فتحرك موسى وسبقهم عليه السلام، ووصل إلى جبل الطور وهناك وللمرة الثانية عند الشجرة المباركة يكلم الله دون أن يراه، وفي هذا المكان المقدس اسمه الوادي المقدس طوى، وهناك بدأ يتلقى التوراة.

وموسى عليه السلام أخبر قومه أنه سيرجع إليهم بعد ثلاثين يوما ولما انتهت الثلاثين يوما كان يصوم موسى ارضاء لله ثم شعر أنه من كثرة الصيام أن رائحة فمه تغيرت فأفطر حتى ترجع الرائحة طبيعية فعاتبه الله عز وجل قال له لما افطرت؟

قال تغيرت رائحة فمي قال أما علمت أن رائحة فم الصائم أطيب عندي من طيب المسك؟ صم عشرة.

موسى يقضي 40 ليلة في الوادي المقدس

فصام عشرة أيام، وأتم ميقات ربه اربعين يومًا هذا بعدما قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، حيث ترك قومه حاكما عليهم يدير شؤونهم نبي الله عليه السلام هارون، وفي أثناء هذه الاربعين يوما موسى عليه السلام كان يتكلم مع الله مباشرة دون وحي ولذلك يقال على موسى ( كليم الله ) أي ليست مرة واحدة بل مرات كلمه عز وجل.

موسى يطلب من الله أن يراه

وطمع موسى عليه السلام في حب الله له وتكليمه له فقال يارب أرني أنظر إليك، أي أنه طمع أن ينظر إلى الله سبحانه وتعالى، فرد عليه قال ( لن تراني ) وفي حديث الاسراء والمعراج لما سألت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قال ( نورٌ أنى أراه) أي لم ير الله عز وجل.

وفي الحديث ( حجابه النار) ورواية أخرى ( النور) فإذا ازاله أحرق ما أمامه لن يتحمله أحد.

فأمر الله عز وجل موسى عليه السلام بأن ينظر إلى الجبل ولو استقر مكانه فسوف يراه، فأخذ موسى ينظر إلى الجبل، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر للجبل.

يقول ابن عباس ( والله ما ظهرت منه إلا أنملة الخنصر ) أي تجلى الله عز وجل بمقدار أصغر من الأصبع الصغير، وانهار الجبل من نور الله عز وجل فصار ترابا، ففقد موسى عليه السلام الوعي ولما أفاق قال له سبحانك ياربي تبت إليك وأنا أول المؤمنين.

فرد الله أنه فضله برسالته وبالكلام المباشر معه فخذ التوراة وكن من الشاكرين، وكانت مكتوبة من ألواح من حجر، وتلقى موسى أوامر الله عز وجل في التوراة لمدة أربعين يومًا.

يقول الله عز وجل في سورة (الأعراف)

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) ۞ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا

يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)

قال الله عز وجل إن بني اسرائيل أضلهم رجل اسمه السامري ورجع موسى عليه السلام بعد اربعين يوما إلى قومه غضبان جدًا وحزين كيف يعبدون عجلًا من ذهب صنعه السامري.

بنو اسرائيل يخرجون بذهب المصريين

في غياب موسى عليه السلام لما انتهت الثلاثون يومًا ولم يرجع موسى كما وعدهم، فقال بنو اسرائيل إن هناك شيء حدث، فقال لهم هارون ( لعلنا اذنبنا فأتوا بالحلي ) وهذا الحلي لم يكن لبني اسرائيل وإنما كان للمصريين واستعار نساء بني اسرائيل الذهب استعارة.

ولما خرجوا خرج معهم الذهب وهو ليس لهم، فقال هارون لعلكم عوقبتم بهذا الذهب فلا يحل لكم ولا تستطيعون أن ترجعوه فأتوا به فادفنوه، وتم انشاء حفرة والقوا الذهب ودفنوه.

وجاء السامري فأخذ الذهب وصنع منه شكل عجل ( ابن البقرة ) وأخذ قبضة من أثر الرسول والرسول هنا هو جبريل عليه السلام كان قد بصر.

فالله سبحانه وتعالى أراد أن يبتلي بني اسرائيل فعجل عند السامري قدرة أنه رأى جبريل عليه السلام وهو على فرسه، وكان يرى ما لا يراه الآخرون.

السامري يصنع عجلا ويرمي عليه تراب فرس جبريل

فرأى السامري جبريل عليه السلام على فرسه، وأنه كلما داس جزء من الأرض ظهر منها الزرع فورًا في كل مكان يدهس فيه وكأن فيه حياة، فلما رأى هذا المشهد أخذ حفنة من التراب الذي دهسه فرس جبريل عليه السلام فلما صنع العجل أخذ هذه الحفنة فقذفها على العجل فبدأ هذا العجل يظهر أصواتًا وكأنه يخور الخوار الحقيقي.

ولما عاد موسى عليه السلام إلى بني اسرائيل وهو غاضب لامهم وقال لهم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنًا ؟ هل تأخرت عليكم 10 أيام ؟!

السامري يضل بني اسرائيل ويقول لهم أن العجل هو اله موسى

السامري قال لبني اسرائيل موسى ذهب يبحث عن الهه واله هنا عندنا .. هذا العجل هو اله موسى وسيرجع موسى ليعبد هذا العجل معنا، وأكثرهم عبد العجل وقليل منهم امتنع

وانتظر عودة موسى النبي الذي لا يخلف وعده، فتوقفوا ولم يكن من بينهم على الحق إلا هارون عليه السلام.

وقال لهم موسى أنا وعدتكم تأتون خلفي ولا تتوقفون، فردوا عليه أنهم لم يتوقفوا بإرادتهم ولكنهم حملوا الذهب من زينة المصريين قوم فرعون فقذفوها في الحفرة وتحرك السامري وأخرج العجل جسدًا له خوار فقال : هذا الهكم واله موسى، وأن موسى نساه هنا وذهب يبحث عنه، لذلك وافقوه وظلوا يعبدونه حتى يعود موسى عليه.

موسى عليه السلام يعاتب هارون عليه السلام

فألقى موسى عليه السلام ألواح التوراة وأخذ يجر هارون عليه السلام من لحيته، وكان بني اسرائيل يحبون هارون أكثر من موسى نظرًا لأنه شديد.

وسأله عن السبب الذي منعه إذا رآهم ضلوا عن الطريق السليم وعصيانه فقال له يا ابن أمي لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي واعتذر له وقال له انه خاف أن يقول موسى فرقت بين بني اسرائيل ولم تنتظر حكم موسى في هذا الأمر.

هارون عليه السلام كان نبي لكنه كان تابعا لموسى عليه السلام وهنا التفت موسى عليه السلام إلى السامري وقال له ما الذي صنعته يا سامري ؟ وكيف صنعت له خوار؟

فرد عليه السامري أنه رأى شيئًا لم يراه الآخرون، حيث رأى جبريل عليه السلام وقبض قبضة من فرس جبريل ورماها على العجل، وكذلك زينت له نفسه الأمر، وانحرافه عن الطريق السليم.

وما بقى على الحياد الا نفر قليل والباقي عبد العجل.

وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي أنه كانوا يظهرون الايمان لكن حقيقتهم في قلوبهم الكفر وهذا شأن اليهود دومًا.

موسى ينذر السامري بعقاب الله

وهنا موسى عليه السلام أصدر الأوامر، فقال له اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس، أي نفاه وقال لا يمسه أحد وقيل أصابه مرض معدي فكان الناس يهربون منه، وأنذره بعذاب النار.

وقام موسى عليه السلام بالعجل الذهبي بحرقه ثم بعد حرقه أخذ الفتات ورماه في البحر، حتى لا يعود أحد لعبادته أبدًا، ثم قال إن الله هو الإله الذي لا إله إلا هو ووسع كل شيء علما.

ودعا موسى عليه السلام بالغفران له ولأخيه ثم إن الله عز وجل أوحى إليه بالأوامر تجاه من عبد العجل بأنهم سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، وظل الغضب على بني اسرائيل الذين عبدوا العجل إلى قيام الساعة.

توبة الذين عبدوا العجل هي الانتحار

وعرفوا أنهم أخطئوا وقالوا ( اذنبنا وظلما نريد أن نتوب ) فجاء الأمر العجيب أن التوبة من هذا الذنب بصدق أمر الله عز وجل أن ينتحر من يريد التوبة، فقام بعضهم فقتل نفسه فتاب الله سبحانه عليهم وأكثرهم لم يقتلوا أنفسهم.

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) ( سورة البقرة ).

يقول الله عز وجل في سورة طه

۞ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)

بعدما انتهى موسى عليه السلام من السامري وقام بحرق العجل الذهبي ورماه في النهر وأمر الذين عبدوا العجل بالانتحار الذليل ليتوب الله على الذين كفروا.

يقول الله عز وجل وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) ( سورة الأعراف)

موسى عليه السلام يأخذ ألواح التوراة ويأمر بنو اسرائيل بالطاعة

وأخذ موسى عليه السلام الألواح وقال لبني اسرائيل إن هذه التوراة فيها الهداية والنور لمن يخاف الله عز وجل، وأن بها أوامر الله عز وجل فاسمعوا وأطيعوا.

قالوا له اقرأها علينا ولو أعجبتنا نسمع ونطيع وإذا لم تعجبنا لن تسمع ( قالوا سمعنا وعصينا) فألح عليهم بأن يأخذوها بدون تردد حتى لا يصبهم عذاب مرة أخرى رفضوا مرة أخرى، فألح عليهم مرة أخرى.

الله يرفع جبل في السماء أعلى بني اسرائيل ليتقبلوا التوراة كمعجزة

وإذ أمام بني اسرائيل جبل يطير من الأرض وارتفع وجميعهم ينظر ثم تحرك الجبل وصار فوق رؤوسهم، فناداهم موسى خذوا ما أتيناكم بقوة وإلا سقط عليكم الجبل، فسجدوا ورفعوا رؤوسهم ينظرون إلى الجبل، وقالوا أطعنا.

يقول الله عز وجل:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (64) ( سورة البقرة).

۞ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) ( سورة الأعراف).

وهكذا التزم بنو اسرائيل لما رأوا الهلاك ووعدوا موسى بالطاعة دون أي جدال، ثم أن موسى عليه السلام لما رأى بعد كل الآيات التي رآها بنو اسرائيل في مصر أراد موسى عليه السلام أن يعتذر إلى الله عز وجل مما فعل بنو اسرائيل فاختار 70

رجلا من مَن لم يعبدوا العجل وظلوا على الحياد ينتظرون، فهؤلاء كانوا أفضل اليهود.

اختارهم موسى عليه السلام وتوجه إلى جبل الطور، ليلتقي مع الله عز وجل للمرة الثالثة.

وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) (سورة الأعراف).

ولما صعد موسى عليه السلام والسبعين رجلا قال الله عز وجل أن لو شاء لأهلكهم، بسبب ترددهم في عبادة العجل أم لا فالله غضب عليهم.

لماذا سمى هؤلاء بـ اليهود ؟

تمت تسمية هؤلاء السبعون رجلا من بنو اسرائيل يهود لأنهم قالوا (إنا هدنا إليك ) يعني اهتدينا إليك.

يقول الله عز وجل في سورة الأعراف:

وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)

وبهذا رحمهم الله عز وجل، وهدأ الزلزال وتقدموا في الجبل ونزل على الجبل غيم شديد فما عادوا يرون لكنهم يسمعون.

فبدأ موسى يعتذر إلى الله عز وجل مما فعل بنو اسرائيل، وهؤلاء السبعون يسمعون، ولما انتهوا وقبل الله عز وجل العذر رجع لهم موسى عليه السلام.

هلاك السبعين رجلا من الذين صعدوا الجبل مع موسى

قالوا أنت وعدتنا نلتقي بالله ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) هؤلاء أحسن الناس في اليهود، فحذرهم موسى عليه السلام وقال لهم اتقوا الله وبدأ ينبئهم ماذا حدث لهم حينما أراد أن يرى الله عز وجل قال لهم نحن نريد العودة لبني اسرائيل ونقول له رأينا الله فغضب الله عز وجل غضبا عظيمًا فنزلت عليهم صاعقة فماتوا أجمعين، ( السبعين رجلا).

فأخذ يدعوا نبي الله موسى بأن يغفر لهم، حتى لا يفتتن باقي قوم اسرائيل وحدثت المعجزة وتم بعثتهم مرة أخرى، وهذه هي النوعية الجيدة من بني اسرائيل، أي لا يمكن الثقة أبدًا بـ بني اسرائيل أو اليهود.

وهذا هو سبب أن الله قص قصة بني اسرائيل اكثر من سبعين مرة في القرءان حتى يعرف المسلمون من هم اشد عداوة للمسلمين.

يقول الله عز وجل:

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) ( سورة البقرة).

عاد موسى برفقة الـ 70 رجل من بني اسرائيل إلى بقية القوم وأمرهم الله بأن يذهبوا إلى القدس والتي كان اسمها حينها ايلياء وكان يحكمها قوم بأجسام كبيرة وأعداد كثيرة وكانوا في منتهى القوة والجبروت، وكانوا مسيطرين على تلك المنطقة.

وأراد موسى عليه السلام فتح القدس للسيطرة على كل المنطقة، ولما وصل موسى وبنو اسرائيل إلى القدس استعد قوم ايلياء للمعركة وأغلقوا عليهم الحصون فخاف هؤلاء الجبارون وهنا موسى عليه السلام أمر بنو اسرائيل بالهجوم الكاسح على القدس، فرفضوا وقالوا نحن أهل زرع وغنم، ولا نعرف القتال وكنا مستعبدين لدى المصرين 430 سنة فقال موسى عليه السلام لهم أخذت منكم الميثاق والعهد أن تطيعوني ولو هاجمتم ستفتحون ايلياء وتسيطرون على الأرض المقدسة.

يصف الله عز وجل هذا العناد مرة أخرى فيقول...

يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) ( سورة المائدة).

وهنا المقصود بالرجلين ( موسى ) و ( هارون) الذين قالوا ادخلوا الباب فقط وسيفر قوم ايلياء ولم يكن مطلوب هجوم من كل مكان، فالأمر كان بسيط، ولابد من التوكل على الله.

ولم يطع من الـ 600 ألف من بني اسرائيل واحد حتى السبعين الذين ذهبوا معه الوادي المقدس، واساءوا الأدب مع النبي موسى عليه السلام، فال موسى أنه لا يوجد أحد إلا نفسه وأخيه هارون فدعا على قومه.

وهذه أول مرة يدعوا فيها موسى عليه السلام على بني اسرائيل، وهنا جاء أمر الله عز وجل وحرّم على بني اسرائيل دخول القدس لمدة 40 سنة يتيهون في الأرض، ولم يبتلى قوم من هذه المدة إلى البلاء.

وساروا مسافات بعيدة ويدورون ولا يذهبون إلى المكان الذين يسيرون عليه وظلوا هكذا أربعين عامًا، وخلال هذه الفترة كيف كانوا يعيشون؟ وماذا يأكلون وماذا يشربون؟

الله لم يرغب في اهلاكهم بل أراد معاقبتهم، وخلال فترة التيه حدثت لهم بعض معجزات وهي السقيا

معجزة السقيا من 12 عين ماء

ضرب موسى عليه السلام حجرًا انفلقت منه 12 عينًا من المياه معجزة أخرى وجديدة لبني اسرائيل الـ 12 قبيلة تشرب من كل عين، وقد علم كل قبيلة من أين يشرب.

وكانوا إذا بدءوا يسيرون توقف نبع الماء من الحجر فيحملون الحجر معهم وإذا نزلوا ووضعوا الحجر سال منه الماء وهذا حياتهم لمدة 40 عاما.

يقول الله تعالى في سورة البقرة: " ۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)".

معجزة الغمام والمنّ والسلوى

فأصابهم حر الشمس في الصحراء لذلك ظلل الله عليهم الغمام، وإذا جاعوا كانوا يأكلون طيور السلوى وقت الطعام وتكون بينهم ولا تهرب منهم، فكان يأخذه ويشويه ويأكله وطعمه من ألذ ما يمكن، وينزل عليهم المنّ واختلف العلماء في تفسير المنّ ولكن مما قيل فيه أنه سائل ينزل على الشجر بعضه كالعسل، وقيل أنهم كانوا يأخذونه أبيض يتحول إلى جزء فكانوا يأكلون ويشربون ويتظللون لمدة أربعين عامًا وهم على هذا الحال.

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)

خلال الأربعين عامًا التي أصبح فيها بني اسرائيل في التيه حدثت أحداث منها أن أحد أعيان قوم بني اسرائيل تم قتله وأخذوا يبحثون عن مَن قتله فلم يعرفوا من قتله فبدءوا بالتحقيق ولم يصلوا لشيء، فجاءوا إلى موسى عليه السلام، قالوا يا موسى أخبرنا من قتل هذا.

  • قال موسى لا أعلم إلا بالوحي.
  • قالوا ادع لنا ربك يخبرنا من قتل هذا.

فلقد كان شخص عظيم من كبارهم وأعيانهم، فأخذ موسى عليه السلام يدعوا الله ويكرر الدعاء، ليعرف من ذبح ذلك.

وبعدما أمرهم بأن الله يأمرهم بأن يذبحوا بقرة قالوا له أتلعب يا موسى ؟ فرد عليهم وأكد أنه أمر من الله، ورغم أنه كان من السهل عليهم أن يستطيعوا ذبح أي بقرة فلم يحدد الله لكنهم أرهقوا أنفسهم فأرهقهم الله عز وجل، وبالفعل بدءوا يبحثون عن البقر الأصفر المأمورين بذبحه، وبعدها طلبوا معرفة أي بقرة المطلوب ذبحها بالتحديد، فلما تعنتوا وتكلفوا فالله سبحانه وتعالى شد عليهم، وهذا فيه درس أن الإنسان لا يشتد على الناس بالدين.

قال لهم موسى إنها بقرة لا تستعمل في حراثة الأرض ولا تسقي الحرث ولا تستعمل في سقاية الزرع ولا تركب ولا تستعمل بل هي بقرة لا يوجد فيها أي علامة صفراء فقط فاقع لونها ولا يوجد فيها أي علامة.

فبدءوا يبحثون عن هذه البقرة لم يجدون هذه البقرة إلا عند غلام يتيم فاستعجل واحد إليه، فقال لو طلبوا منك شراء هذه البقرة فاطلب ثمن غاليًا، خاصة أن الميت كان ثري، وجاءوا للغلام فقال هل تبيع البقرة ؟

  • قال نعم.
  • قالوا بكام.
  • قال بوزنها ذهبًا.
  • قال موسى اضربوا به الميت.

فجاءه الوحي فذهب موسى عليه السلام وأخبرهم بأوامر الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ. ( سورة البقرة)

فدفعوا في البقرة هذا الثمن فالله سبحانه وتعالى أغنى الغلام اليتيم وعاقبهم في نفس الوقت، واشتروا البقرة بالفعل وذبحوها.

  • قالوا ذبحنا البقرة ولم نعرف من قتله.
  • فقال موسى : اقطعوا منها جزءا.
  • فقطعوا منها الفقيم.
  • قال : اضربوه بالفقيم.

فأحيا الله سبحانه وتعالى الميت أمامهم وقال: هذا الذي قتلني، ورجع مات. فسبحان محيي الموتى عز وجل

يقول الله عز وجل وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) سورة البقرة.

ولم تلين قلوبهم حتى بعدما رآوا المعجزات والمعجزات أمام أعينهم، ولم يؤمنوا ايمانًا كاملًا بالله وبدعوة النبي موسى

يقول الله تعالى : " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) ( سورة البقرة).

خلال فترة التيه الاربعين عاما التي عاقب بها بني اسرائيل حدثت قصة موسى والخضر عليهما السلام، ففي يوم خطبهم موسى عليه السلام فسأله أحد بني اسرائيل من أعلم من على الأرض؟

  • فقال موسى: أنا.
  • فعاتبه الله عز وجل، فموسى عليه السلام كان يفترض ذلك فهو الرسول وهو كليم الله عز وجل ولا يعرف أحد بهذه المكانة على الأرض.
  • فقال هناك رجل أعلم منك.
  • فقال مخاطبا لله عز وجل : من هو وكيف أجده؟
  • فدله الله عز وجل عليه في مجمع البحرين.
  • قال كيف أعرفه من بين الناس؟
  • قال له علامة وهي أن تفقد الحوت والحوت هو السمكة، إذا فقدت الحوت فهذه علامة هذا الرجل.

وقال موسى لفتاه يوشع بن نونان عليه السلام، فأكثر المفسرين والمؤرخين وعلماء الاسلام على أن يوشع نبي من أنبياء الله عز وجل وهو من تولى أمر بني اسرائيل بعد موسى وهارون.

ذهب يوشع مع موسى في هذه الرحلة، وقال له موسى أنه لن يتوقف حتى يبلغ مجمع البحرين أو يمضي حقبًا أي يمشي عشر سنوات لملاقاة الرجل.

فلما بلغ مجميع بينهما.. وهو طرفي البحر الأحمر عند التقاءهما عند خليج العقبة.

وحينما وصلا لم يكونا على علم بهذا المكان، ونسيا حوتهما واتخذ سبيله في البحر سربا يعني أن موسى ترك السمك المشوي في اناء، وموسى عليه السلام نائم، ويوشع عليه السلام جالس وفجأءة ينظر إلى السمكة المشوية تتحرك وتقفز ثم قفزت للبحر وسبحت فرجعت حيّة.

موسى وفتاه يوشع والحوت

يوشع ينظر لهذا المنظر متعجب، فلما استيقظ موسى عليه السلام نسى يوشع أن يخبره بهذا الحوت، ولما تجاوزا المكان الذي فيه العلامة قال لفتاه آتنا غداءنا لقد تعبنا من السفر.

فتذكر يوشع عليه السلام وقال له أرأيت حينما ذهبنا إلى الصخرة فلقد نسيت السمك هناك، ونسيت أن أذكر لك القصة التي هرب فيها الحوت.

فرد عليه موسى أن هذا هو المكان ولذلك تتبعا آثار أرجلهما فوجدا الخضر الذي حصل على الرحمة من الله والعلم، وأجمع المفسرون على أنه نبي من أنبياء الله.

موسى يطلب من الخضر أن يتعلم

وقال له موسى أن يرافقه حتى يتعلم منه من العلم الذي حصل عليه، فقال الخضر أنك لن تستطيع صبرا يا موسى قال له ستجدني صابرا وسأطيعك في كل ما تشاء، قال فإن اتبعتني لا تسألني عن أي شيء حتى أحدثك عنه، فوافق موسى عليه السلام وقال ليوشع ارجع لبني اسرائيل سأكمل الطريق مع الخضر.

الخضر يعطل السفينة الخاصة بالمساكين

وتحرك موسى والخضر عليهما السلام، حتى إذا ركبا سفينة خرق الخضر السفينة التي بها عمال فقراء، وطلبوا منهم العبور للضفة الأخرى فحملوهم بدون أجر، وفي الطريق نزل الخضر وموسى عليهما السلام إلى اسفل السفينة، فأخذ حديدة وبدأ يكسر الحديدة من جهة الماء ودخل الماء في السفينة وبدأت السفينة تغرق وسمع العمال بالأمر بدءوا يحملون الماء ويخرجونه للخارج.

فتعجب موسى من الفعل وقال له أخرقتها لتغرق أصحاب السفينة ، هذا منكر ما فعلته لقد جئت شيئًا غريبًا، فكان رد الخضر عليه السلام: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا فقال له صحيح وعدتك ونسيت، وليّن معي ولا تشتد ولا تعاقبني بها.

الخضر يقتل غلام لأبوين صالحين

فسكت الخضر وسامحه فانطلقا ومشوا قليلا إذ صبيان يلعبون فجاء الخضر عليه السلام لواحد من الغلمان فهجم عليه الخضر وأسقطه في الأرض وذبحه، وموسى عليه السلام ينظر جريمة قتل أمام عينيه، قال له موسى قتلت وارتكبت جريمة هذا منكر. فقال له ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا فتذكر موسى، وقال له لو سألتك عن شيء بعد هذا فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا، فأعذرت مرة وأخرى.

الخضر يصلح الجدار المنهدم

فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية وكان أصابهم الجوع الشديد وكانوا معتادين على الضيافة، لكن هؤلاء الناس يرونهم ولا يضيفوهما وهذا كان حق في هذا الزمان، وفي الاسلام كذلك، فيجب على أهل القرية استضافة أي مسافر ثلاثة أيام ولو انقطع به السبيل.

ولم يكن تسول ولكن الضيافة، فالأنبياء لا يطلبون التسول اطلاقا، فرفض أهل القرية الضيافة مع أنها كانت واجبة وكانوا أهل سوء وكان في القرية بيت به جدار كاد أن يسقط فشمر الخضر وبدأ يبني هذا الجدار ويعدله إلى أن بناه وسواه.

موسى عليه السلام يشاهد جدار في خرابة ومائل وفي قرية من ناس أهل شر ولا يوجد به أحد ضيفه قال على الأقل كان لابد أن تطلب الأجر.

الخضر يفسر ما فعله ويفارق موسى عليه السلام

وقال له الخضر أن هنا سيكون هناك فراق بينهما بسبب الشرط الذي اشترطه على نفسه، وأنه سيفسر له الأمر وأن هذه كانت أوامر بوحي من الله عز وجل:

1- السفينة: كانت لمساكين يعملون في البحر فقد كانت سفينة عبور فقط وليست سفينة صيد فأراد الخضر أن يعيبها عمدًا وكان سيأتيهم ملك في هذه المنطقة أي سفينة يأخذها بالغصب وفعلا بعدما تركهما موسى والخضر وتحركت السفينة التي كادت تغرق وصل الملك فرأى السفينة بها عيب وتكاد تغرق فقال اتركوها ما نحتاج إليها.

2- الغلام: يقول الخضر إن الغلام أبويه كانا مؤمنين والله علم بعلمه الواسع لو أن الطفل هذا لو كبر سيكبر كافرًا وليس فقط هكذا بل طاغية يؤذي حتى أبويه فمن رحمة الله عز وجل على هذين الولدين المؤمنين أن يموت هذا الطفل قبل أن يكبر، وبعدما مات الطفل حملت المرأة المؤمنة ورزقهما بولد بدل الذي قتل وهذا الولد صالح وطيب وبار بوالديه.

3- الجدار المائل في البيت: الحائط كان لغلامين يتيمين في اليتيمة وكان تحت الجدار كنز، ولو سقط الجدار لانكشف الكنز ولأخذه أهل القرية الأشرار لأنه لغلمين يتيمين ما يستطيعوا الدفاع عن أموالهما، وكان أبوهما صالحًا.

ظل موسى عليه السلام مع بني اسرائيل في التيه أربعين عاما، ومات هارون عليه السلام أخو موسى عليه السلام ودفن في التيه أي دفن في الصحراء، وبعد مررو عامين توفى موسى عليه السلام.

جاء ملك الموت إلى موسى، والأنبياء لا يموتون إلا ويخيرون بين الموت والحياء، فجاء ملك الموت يستأذن ليقبض روح موسى عليه السلام، فقال له ملك الموت إن الله أرسلني لأقبض روحك فضربه موسى عليه السلام، فاقعا عينه فشفاه الله، وقال له ان يضع يده على ظهر ثور وبكل شعرة سنة حياة، فرجع وبعدها، طلب الله ان يميته ولكن يقربه من القدس، وبالفعل توفاه الله ودفن بالقرب من المسجد الأقصى عند الكثير الأحمر.

في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: ( أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ، فلما جاءه صكَّه ففقأ عينه ، فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : فرد الله إليه عينه وقال : ارجع إليه ، فقل له : يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة ، قال : أي ربِّ ثم مه ؟ قال : ثم الموت ، قال : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق ، تحت الكثيب الأحمر )

وهكذا كانت نهاية نبيين عظيمين كريمين هارون وموسى عليهما السلام، وفي المقالات القادمة نتحدث عما حدث مع بني اسرائيل بعد وفاتهما.

هارون عليه السلام

هارون هو أخو نبي الله موسى عليه السلام، وهو نبي هو الآخر حيث كان مع أخيه في دعوة فرعون لعنة الله عليه.

موسى يطلب من الله مرافقة أخيه هارون في دعوة فرعون

وأمر الله موسى بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى الإسلام فدعا ربه بأن يحلل عقدة من لسانه يفقه قوله، وسبحان الله من بعد الدعاء إذا تكلم يتيء تيء وإن دعا فرعون والناس يكون في منتهى الفصاحة.

اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) ( سورة طه).

وطلب موسى عليه السلام أن يكون لديه مساعد هارون عليه السلام فاستجاب الله له

تقول الايات

وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) ( سورة طه).

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) ( سورة القصص).

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة (الشعراء)

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) الَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) ( سورة الشعراء).

موسى يقضي 40 ليلة في الوادي المقدس وهارون يقضيهم مع بني اسرائيل

فصام عشرة أيام، وأتم ميقات ربه اربعين يومًا هذا بعدما قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، حيث ترك قومه حاكما عليهم يدير شؤونهم نبي الله عليه السلام هارون، وفي أثناء هذه الاربعين يوما موسى عليه السلام كان يتكلم مع الله مباشرة دون وحي ولذلك يقال على موسى ( كليم الله ) أي ليست مرة واحدة بل مرات كلمه عز وجل.

بنو اسرائيل يخرجون بذهب المصريين

في غياب موسى عليه السلام لما انتهت الثلاثون يومًا ولم يرجع موسى كما وعدهم، فقال بنو اسرائيل إن هناك شيء حدث، فقال لهم هارون ( لعلنا اذنبنا فأتوا بالحلي ) وهذا الحلي لم يكن لبني اسرائيل وإنما كان للمصريين واستعار نساء بني اسرائيل الذهب استعارة.

ولما خرجوا خرج معهم الذهب وهو ليس لهم، فقال هارون لعلكم عوقبتم بهذا الذهب فلا يحل لكم ولا تستطيعون أن ترجعوه فأتوا به فادفنوه، وتم انشاء حفرة والقوا الذهب ودفنوه.

وجاء السامري فأخذ الذهب وصنع منه شكل عجل ( ابن البقرة ) وأخذ قبضة من أثر الرسول والرسول هنا هو جبريل عليه السلام كان قد بصر.

فالله سبحانه وتعالى أراد أن يبتلي بني اسرائيل فعجل عند السامري قدرة أنه رأى جبريل عليه السلام وهو على فرسه، وكان يرى ما لا يراه الآخرون.

السامري يصنع عجلا ويرمي عليه تراب فرس جبريل

فرأى السامري جبريل عليه السلام على فرسه، وأنه كلما داس جزء من الأرض ظهر منها الزرع فورًا في كل مكان يدهس فيه وكأن فيه حياة، فلما رأى هذا المشهد أخذ حفنة من التراب الذي دهسه فرس جبريل عليه السلام فلما صنع العجل أخذ هذه الحفنة فقذفها على العجل فبدأ هذا العجل يظهر أصواتًا وكأنه يخور الخوار الحقيقي.

ولما عاد موسى عليه السلام إلى بني اسرائيل وهو غاضب لامهم وقال لهم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنًا ؟ هل تأخرت عليكم 10 أيام ؟!

السامري يضل بني اسرائيل ويقول لهم أن العجل هو اله موسى

السامري قال لبني اسرائيل موسى ذهب يبحث عن الهه واله هنا عندنا .. هذا العجل هو اله موسى وسيرجع موسى ليعبد هذا العجل معنا، وأكثرهم عبد العجل وقليل منهم امتنع وانتظر عودة موسى النبي الذي لا يخلف وعده، فتوقفوا ولم يكن من بينهم على الحق إلا هارون عليه السلام.

وقال لهم موسى أنا وعدتكم تأتون خلفي ولا تتوقفون، فردوا عليه أنهم لم يتوقفوا بإرادتهم ولكنهم حملوا الذهب من زينة المصريين قوم فرعون فقذفوها في الحفرة وتحرك السامري وأخرج العجل جسدًا له خوار فقال : هذا الهكم واله موسى، وأن موسى نساه هنا وذهب يبحث عنه، لذلك وافقوه وظلوا يعبدونه حتى يعود موسى عليه.

موسى عليه السلام يعاتب هارون عليه السلام

فألقى موسى عليه السلام ألواح التوراة وأخذ يجر هارون عليه السلام من لحيته، وكان بني اسرائيل يحبون هارون أكثر من موسى نظرًا لأنه شديد.

وسأله عن السبب الذي منعه إذا رآهم ضلوا عن الطريق السليم وعصيانه فقال له يا ابن أمي لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي واعتذر له وقال له انه خاف أن يقول موسى فرقت بين بني اسرائيل ولم تنتظر حكم موسى في هذا الأمر.

هارون عليه السلام كان نبي لكنه كان تابعا لموسى عليه السلام وهنا التفت موسى عليه السلام إلى السامري وقال له ما الذي صنعته يا سامري ؟ وكيف صنعت له خوار؟

فرد عليه السامري أنه رأى شيئًا لم يراه الآخرون، حيث رأى جبريل عليه السلام وقبض قبضة من فرس جبريل ورماها على العجل، وكذلك زينت له نفسه الأمر، وانحرافه عن الطريق السليم. وما بقى على الحياد الا نفر قليل والباقي عبد العجل.

وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي أنه كانوا يظهرون الايمان لكن حقيقتهم في قلوبهم الكفر وهذا شأن اليهود دومًا.

موسى وهارون فقط الذين أطاعا الله في الدخول إلى القدس

بعدما رفض بنو اسرائيل دخول القدس ظل رجلان هما ( موسى ) و ( هارون) الذين قالوا لبني اسرائيل ادخلوا الباب فقط وسيفر قوم ايلياء ولم يكن مطلوب هجوم من كل مكان، فالأمر كان بسيط، ولابد من التوكل على الله.

ولم يطع من الـ 600 ألف من بني اسرائيل واحد حتى السبعين الذين ذهبوا معه الوادي المقدس، واساءوا الأدب مع النبي موسى عليه السلام، فال موسى أنه لا يوجد أحد إلا نفسه وأخيه هارون فدعا على قومه.

وفاة هارون عليه السلام في التيه

ظل موسى عليه السلام مع بني اسرائيل في التيه أربعين عاما، ومات هارون عليه السلام أخو موسى عليه السلام ودفن في التيه أي دفن في الصحراء، وبعد مررو عامين توفى موسى عليه السلام.

إلياس عليه السلام

بعد وفاة يوشع عليه السلام عاش بنو اسرائيل في فلسطين، وانفصل الدين عن الملك وأدار شؤون الدنيا الملوك والملك كان في ذرية يهوذا والنبوة في ذرية لاو وكان عندهم أنبياء يشرعون لهم لكن من يدير شؤون الدنيا الملوك.

ومرت السنوات وانتشر الكفر مرة أخرى في الشام وأشد ما ظهر في مناطق لبنان وبدأت عبادة الأصنام من جديد فظهر في مدينة بعلبك المعروفة اليوم قومٌ من بني اسرائيل الذين ملئوا المنطقة، عبدوا صنما يقال له ( بعل ) ومن هنا سميت المدينة بعلبك.

فأرسل الله نبيًا كريمًا هو إلياس عليه السلام، ويسمى كذلك إل ياسين وهو حفيد هارون عليه السلام.

يقول الله " وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ (130) ( سورة الصافات).

ولم يذكر العلماء عن قصة إلياس عليه السلام سوى أنه كان في بعلبك، وأنه دعا قومه وأنهم كذبوه، فتركهم واختفى، وفي رواية أخرى أنه مات ولم يؤمنوا.

بعض الناس وهذا موجود في كتب التفسير والتاريخ يقولون أن إلياس مازال حيًا ويشيرون كذلك أن الخضر عليه السلام مازال حيًا ويأتون بروايات كثيرة جدًا تشير إلى أن إلياس والخضر مازالوا أحياء وهذا خطأ فاحش.

حتى قال بعض العلماء أن هناك 4 علماء مازالوا أحياء اثنان في الأرض واثنان في السماء، أما اللذان في السلام فهما إدريس وعيسى رفعهما الله إليه، وأما اللذين في الأرض فإلياس والخضر، وهذا خطأ فاحش.

كلهم قد ماتوا إلا عيسى عليه السلام رفعه الله إليه، لكن على الأرض ما يوجد أحد من الأنبياء.

وجاء في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم بعدما أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء بالناس بالصحابة الكرامة التفت إليهم فقال ( أرأيتم ليلتكم هذه قالوا نعم، قال فإن على رأس مائة سنة لا يبق مما على ظهر الأرض أحد). فهذا دليل ظاهر بأنه لا يبق أحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من مائة سنة إلا ويموت.

اليسع عليه السلام

بعد سيدنا إلياس جاء نبي الله اليسع عليه السلام. يقول الله سبحانه وتعالى: " وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)" سورة الأنعام.

ويقول في آية أخرى " وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ (48)"( سورة ص).

اليسع بن عدي قيل أنه من ذرية يوسف عليه السلام وقيل أنه من ذرية هارون عليه السلام ويكون ابن عم الياس، ولم يذكر أحد شيئًا عن قصة اليسع إلا أنه من المرسلين.

ما قص الله علينا شيئًا عن اليسع وكذلك لم يأتنا في الأحاديث الصحيحة.

وهناك روايات اسرائيلية كثيرة لكننا لا نعتمد عليها كمصدر من مصادر القصص القرآني، ونعتمد فقط على القرءان والسنة النبوية الصحيحة، ولم يصح شيء عن اليسع في علمنا.

داوود عليه السلام

اجتمع الملك والنبوة في بني اسرائيل عند داوود عليه السلام وهو داوود ابن ايشا من ذرية يهوذا ابن يعقوب عليه السلام فرجع الملك مرة أخرى إلى ذرية يهوذا.

يصفه المؤرخون كما جاء في تاريخ الطبري يقول كان قصيرًا أزرق العينين قليل الشعر طاهر القلب ونقي.

وبدأ داوود عليه السلام يحكم في بني اسرائيل وشد ملكه أي بدأ بنو اسرائيل يطيعون بعد الفوضى الشديدة التي أصابتهم، وأظهر الله سبحانه وتعالى المعجزات، وأنزل له الصحف الكريمات التي تسمى الزبور.

وكان عليه السلام من أجمل الناس صوتًا وفي إشارات كثيرة أنه لم يخلق إنسان أجمل صوتًا من داوود عليه السلام.

فإذا تلى داوود الزبور بهذا الصوت الجميل يسمعون الجبال تسبح معه، فكانت الطيور تأتي ولا تتحرك من مكانها وترد معه التسبيح.

يقول الله عز وجل

۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) سورة سبأ.

إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) سورة ( ص).

ومن معجزاته أن الحديد كان لين له وكان يصنع منه الدروع وصنع منه الدروع لم تكن موجودة من قبل، والدرع هي الحديدة

التي توضع على جسم المقاتل، وكانت صفائح قديمًا وكانت ثقيلة جدًا على الصدر والظهر.

فصنع داوود صنعا جديدًا دروع من حلقات فيعمل درع من حلقات صغيرة فإذا ضربوها تحمي الجسم وكانت خفيفة جدًا وهذا موصوف في القرءان الكريم.

يقول الله تعالى

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) ( سورة سبأ).

وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80) ( سورة الأنبياء ).

قصة الخصمان الذين اختصما لـ داوود الملك

كان لـ داوود عليه السلام قصر يسمى المحراب يعتزل به حيث كان يجعل ساعات من النهار للملك، وساعات للحكم والليل للعبادة وفي ليلة من الليالي كان يغلق على نفسه لا يسمح لأحد الدخول عليه حتى يتعبد لله عز وجل، وتعدى أسوار القصر شخصان.

وتفاجيء بهما داوود وفي رواية تشير إلى أنهما كانا ملائكة وهذا غير صحيح.

ولما رآهما داوود ففزع منهما، قالوا له لاتخف خصمان واحكم بيننا بالحق ولا تظلم، ولا تبتعد عنه واهدنا إلى الحكم الصحيح في هذه القضية.

وبدأ يشرحان القضية وبدأ الأول فقال إن هذا أخي له 99 نعجة وأنا لي نعجة واحدة والنعجة هي أنثى الخروف وجاءت روايات كثيرة تشير إلى أن المقصود نساء وهذا غير صحيح.

وقال الخصم أن اخاه يريد أن يأخذ النعجة، فقال له داوود أنه ظلمه وأن كثير من الشركاء ليظلمون بعضهم على بعض، وفيه إشارة إلى أن الانسان إذا أراد المشاركة لابد أن يعدل.

وبهذا استعجل داوود بالحكم، وعرف داوود خطأه وفورًا انتبه وتاب.

يقول الله عز وجل:

وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) ۞ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ( سوة ص).

وكان داوود من أكثر الناس عبادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ).

وتوفى داوود عليه السلام وعمره 100 عامًا كما جاءت في الأحاديث الصحيحة.

لما جاءته المنية، فقد كان شديد الغيرة على نساءه وكان له نساءه في قصر وحول القصر أسوار حتى لا يقترب أحد من نساءه وفي يوم رأى النسوة رجل فقالوا مَن هذا والله لئن رآه داوود ليبطشن به.

فبلغ الأمر لداوود عليه السلام فقال له من أنت وكيف تعديت الحواجز ؟

قال : أنا من لا يقف أمامه حاجز.

قال داوود: أنت ملك الموت، فتقدم فخذ نفسي.

فقبض روحه عليه السلام ودفنه سليمان عليه السلام في بيت المقدس.

وهذا الحديث صحيح:

- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب؛ فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. قال: فخرج ذات يوم وغلقت الدار، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار؛ فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة؟ والله لتفتضحن بداود. فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني شيء، فقال داود: أنت والله ملك الموت فمرحبًا بأمر الله، فرمل داود مكانه ؛ حيث قبضت روحه، حتى فرغ من شأنه، وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض، فقال لها سليمان: اقبضي جناحًا جناحًا، قال أبو هريرة: يرينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم، وغلبت عليه يومئذ المضرحية)).

ومات داوود عليه السلام وحكم فورًا من موته ابنه سلميان عليه السلام.

سليمان عليه السلام

ورث سليمان عليه السلام مُلك نبي الله الملك داوود، وهذه ليست وراثة مال وإنما وراثة مُلك ونبوة.

معجزات النبي سليمان عليه السلام

وظهرت معجزات عجيبة لسليمان عليه السلام ومن معجزاته أنه كان يعرف لغة الطيور، والله جعله ملكًا ليس في الدنيا كلها ملك أعظم من سلميان لا في من سبقه ولا من يأتي بعده، حيث تحكم في كل شيء.

تسخير الجن له فقط

ومما سخر له ولم يسخر لأحد قبله ولا بعده الجن، جميع الجن كانوا مسخرين له، والجن أمم وقبائل ولهم أعمال ووظائف فمنهم البناء والغواص والنحات وغير ذلك.

كان الذين يعصونه كان عنده قدرة أن يحبسهم وكان يربط كل اثنين من الجن في سلسلة واحدة، وهذا كان عطاء من الله لسليمان بدون حساب في الجن.

قال الله: وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) ( سورة سبأ )

فكان الجن يصنعون التماثيل وهذا كان حلال في شريعة سليمان عليه السلام، لكن تم تحريمها في الشريعة الاسلامية خوفًا من عبادتهم من دون الله.

وكانوا يصنعون الجفان يعني الآواني والأحواض وكل ماعون بحجم بحيرة، وكانوا يصنعون القدور الثابتات التي لا تتحرك، فكان القدر الواحد بحجم القصر أحيانًا فكان يملأ بالطعام ويطبخ ويعطى للناس من الجن، ويؤخذ الطعام فيوضع في هذه الآنية التي كالأحواض بإذن الله وبقدرة الله عز وجل.

يقول الله تعالى:

وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) ( سورة الأنبياء )

أي كان الشياطين يغوصون في البحار ويأتون بالمجوهرات والكنوز لسليمان عليه السلام.

تسخير الريح لسليمان عليه السلام

وكان يتحكم سلميان في الرياح وتجري بأمره؛ يقول الله: " فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)" (سورة ص). والمقصود هنا الرياح التي تنزل الأمطار.

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) ( سورة الأنبياء) - أي انه كان يمتلك الرياح العاصفة أيضا.

انتقال سليمان وجيشه بالرياح

وكان ينتقل سليمان عليه السلام بجيوشه باستخدام الريح حيث كان لديه بساط مصنوع من خشب هائل فإذا اراد الانتقال من مكان لمكان كان يركبون على هذا الخشب وكانت الرياح تقطع مسافة الشهر ما بين الفجر والظهر وإذا ما أرادوا العودة بين الظهر والمغرب.

يقول الله: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سورة سبأ.

وكان من معجزاته أيضًا النحاس بالنسبة لسليمان عليه السلام حيث جعل الله له عينا تسيل منها النحاس.

يقول الله

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سورة سبأ

وكان يحب الخيل وخاصة الخيل الصافنات وكثروا عنده والخيل الصافن هو الخيل الذي يقفل على ثلاثة أرجل ثم يرفع الرجل الرابعة ويضع حافره فقط على الأرض وكأنه متبختبر، وكان من أجود أنواع الخيول وكانت الخيول التي ينتقيها من هذا النوع ونوع آخر من الجياد وهو السريع.

يقول الله تعالى:

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) ( سورة ص).

في الرواية أنه عرض عليه استعراض بالخيول الجياد السريعة والصافنات، وأنها كانت أكثر من 20 ألف جواد وأخذ يستعرضها

وطال الاستعراض وذكره عن الذكر ( الورد اليومي ) الذي يقرأ فيه الزبور حتى غابت الشمس.

فانتبه وقال انا أحببت الخيول عن ذكر الله حتى غابت الشمس، فأمر ردها عليه وبدأ يمسح الخيول ويستغفر الله عز وجل لاعادتها إلى الجهاد:

يقول الله

فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) ( سورة ص).

وتزوج سليمان عليه السلام ألف امرأة، وفي يوم أقسم وقال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله.

فطاف عليهم وكان الله أعطاه القوة لذلك فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، أي طفل ليس لديه يد أو رجل.

يقول الحديث الشريف

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ "

يقول الله عز وجل

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) ( سورة ص)

أي أن سليمان عليه السلام لم يقل إن شاء الله فولد له طفلا لم يكن لديه يدين ولا أرجل وتمت ولادته على كرسييه ففطن سليمان لما نسيه واستغفر.

قصة سليمان عليه السلام مع وادي النمل

في القصة العجيبة التي ذكرت في القرءان الكريم حيث تحرك سليمان بجنوده من البشر والجن والطيور، وإذا بنملة فصيحة تحذر جماعتها من الموت، وسمعها سليمان ودعا الله أن يرزقه الشكر وأن يدخله في عباده الصالحين.

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ( سورة النمل)

قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس ملكة سبأ

اجتمع سليمان بجنوده ولم ير طائر الهدهد فقال إذا لم يأتِ سيتم ذبحه أو تعذيبه أو إذا ما أتى بعذر مقنع سيتم العفو عليه فوقف الهدهد بعيدًا عن سليمان، وقال له أنه جاء من مملكة سبأ بأمر مهم والخطاب لم يكن به خوف ولا ذل، بل قال له أنا أعلم منك في قضية لا تعرفها.

وأوضح الهدهد أن هناك امرأة اسمها بلقيس ملكة سبأ ولها عرش تجلس عليه للحكم ضخم ومرصع بالجواهر واللاليء ويعبدون الشمس، وأضلهم الشيطان وصدهم عن الطريق الصحيح ولا يهتدون، ألا يسجدون لله الذي يخرج ما في الأرض من الأشياء

المخبأة مثل المياه، واختار الهدهد لفظ ( الخبأ ) لأنه من صفات الهدهد أنه يعرف مكان الماء تحت الأرض وكان يدله على الماء تحت الأرض فيحفر الجن الأرض.

يقول الله سبحانه وتعالى:

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ (26) (سورة النمل)

فتعجب سلميان عليه السلام من قول الهدهد وقال له: ۞ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) (سورة النمل)

فكتب رسالة إلى بلقيس وطلب من الهدهد بأن يقوم بارسال هذه الرسالة إلى بلقيس وبالفعل وصلها وكان فيه أن يخضعوا لحكم سليمان عليه السلام وأن يأتون مسلمين ويؤمنون بالاسلام، فجمعت بلقيس جماعتها وحاشيتها وشاورتهم، حتى لا تحكم إلا بالشورى قالوا لها إننا قوم أقوياء ولا أحد يقف أمامنا والأمر إليكِ وهذا يدل على أنهم ضعاف العقول، وهي التي أعطت الرأي السليم قالت إن الملوك لما يحتلون بلد يفسدوها ويجعلون ملوكها أذلة وكذلك يفعلون.

وقررت أن ترسل هدية إلى الملك سليمان وتنتظر ردة فعل سليمان وما تأتي به الأخبار مع المرسلين بالهدية وبالفعل توجه وفد عظيم من سبأ وقالوا له نحن لا نريد أن نخضع لك ولكن هذه هدية وعلامة صلح بيننا، فلما جاء لسلميان غاضب قال أتعطوني مال فما آتاني الله خيرٌ مما آتاكم من المال والنبوة بل أنتم الذين تفرحون بها، ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، ولنسيطر على ملكها ويذلون لي إلا إذا استسلموا بدون قتال.

فقال وهي تنتظرها تأتي قال لأعيان الناس والجن من يأتيكم بعرش بلقيس العظيم الموجود في سبأ قبل أن تأتي هي ووفدها، قال عفريت من الجن أنا سأتيك به قبل أن ينتهي المجلس (وكان يجلس من الفجر إلى الظهر)، وأضاف العفريت وإني قوي وأمين لا يمكنني ان اسرقه.

قال أحد علماء بني اسرائيل أتاه الله اسم الله الأعظم، أنا آتيك به قبل أن تنظر لآخر الأرض وترجع، فنظر سليمان عليه السلام إلى آخر الأرض ورجع فوجد العرش لديه، فلما رأى العرش مستقر عنده شكر الله عز وجل، ليختبرني أأشكر أم أكفر.

فقال لهم قوموا بتغيير العرش فغيروا أماكن الجواهر التي فيه، لننظر إذا ما كانت تهتدي أو لا، فلما دخلت وبدأ يتحدث معها أراها العرش، وقال لها أهكذا عرشكِ ؟!

فكان جوابها أعقل وأعلم: كأنّه هو أي تحتمل أنه هو أو ليس هو فجمعت كل هذه الاحتمالات في هذه الكلمتين.

فتعجب سليمان من فصاحتها، وقال ( أوتينا العلم من قبلها وأنا من المسلمين ) وظلت لم تؤمن بالله عليه السلام وظلت على الكفر وصدها ما كانت تعبد من دون الله وكانت من قوم كافرين.

فأراد سليمان أن يريها شيئًا ليس من صنع البشر فأدخلها قصر من الزجاج ناعم للغاية، وكذلك الأرض وجعل تحت الزجاج الناعم العجيب الماء يجري فدخلت بلقيس القصر ورأت بحيرة ماء، فقالت ماء قال لها ادخلي فرفعت ثوبها وتريد أن تخوض بالماء ولكنها فوجئت بأنه زجاج.

فقال سليمان لها أن هذا صرح مصنوع صناعة دقيقة من زجاجة، ولما رأت ذلك عرفت أنه ليس بملك وإنما نبي من عند الله عز وجل، وأسلمت ودخلت في الاسلام، وفي روايات كثيرة أنه تزوجها سليمان عليه السلام.

اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا

رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44).

أعطى الله لـ سليمان عليه السلام بجانب النبوة والملك أعطاه القدرة على الحكم بين الناس بالعدل بفطنة وذكاء.

يقول الله تعالى: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) (سورة الأنبياء)

ففي زمن داوود قبل أن يكون سليمان ملكا وكان عمره في ذلك الوقت 12 عامًا. جاء اثنان من المختصمين واحد عنده مزرعة والثاني أغنام وكانوا جيران وفي الليل كان يغلق السور من يمتلك الأغنام بينه وبين صاحبه حتى الأغنام لا تذهب وتأكل المزرعة، وفي ليلة من الليالي نسى إغلاق السور فخرجت الأغنام وأكلت في الليل بالمزرعة فما الحكم في هذه القضية ؟ - نفشت: أكلت ليلًا.

واعترف الرجل بأنه أهمل، وحكم عليه داوود يأخذ الرجل أغنامك، فلما خرج الرجلان فأخبرا سليمان الحكم، فرجع إلى داوود فقال : أو خير من ذلك يا نبي الله قال ماذا؟

قال تعطي الغنم لصاحب المزرعة، وتعطي المزرعة لصاحب الغنم يزرعها حتى ترجع كما كانت وخلال هذه الفترة يستفيد صاحب المزرعة من الأغنام فإذا رجعت المزرعة كما كانت هذا ترجع إليه المزرعة وهذا ترجع إليه الأغنام.

وجاء في الحديث الصحيح عن البخاري ومسلم عن امرأتين أتيتا إلى الملك سليمان عليه السلام تتحاكمان، فكان كلاهما عندها ولد رضيع فهجم الذئب ابن الكبرى، فلما ذهب منها ابنها هجمت على ابن الصغرى وقالت هذا ابني، فالصغرى تريد ابنها وهذه مصرة أنه لا هذا ابنها، ولا عندهم أي دليل.

فجاءوا إلى داوود عليه السلام في البداية فحكم للكبرى فلم يكن هناك أي دليل، فاستأذن سليمان من أبيه أن يحكم فقال احكم، فقال اعطوني الولد وقال ائتوني بسيف، قال أقصه نصفين بينكما فصرخت الصغرى قالت لا دعه يحيا أعطه اياها قال أنتِ أمه، بعدما بينت الرحمة فورا. فكان من أعقل الناس في القضاء والحكم عليه السلام.

سليمان يجدد المسجد الأقصى

من أعظم ما فعله الملك سليمان عليه السلام أنه جدد بناء المسجد الأقصى، فالذي بنا المسجد الأقصى هو يعقوب النبي عليه السلام.

وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي مسجد وضع أولا المسجد الحرام بناه ابراهيم عليه السلام، قال ثم أي قال المسجد الأقصى بناه يعقوب وبينهما 40 سنة.

فلما بختنصر سيطر على القدس دمر المسجد الأقصى، فلما جاء الملك سليمان قام بتجديد المسجد الأقصى، وبنا معه هيكل سليمان عليه السلام، وكان مقدسًا عند اليهود ومازالوا يبحثون عنه اليوم، وبالتأكيد هو قريب من المسجد الأقصى. .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سليمان لما بنا المسجد بيت المقدس سأل ربه عز وجل ثلاثا فأعطاه الله اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة، سأله حكما يصادف حكمه يعني يقضي بالعدل كحكم الله فأعطاه اياه فسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه.

وفاة سليمان عليه السلام

أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في موته عظة وعبره ذلك أن الناس في هذا الزمان فتنوا بالجن فأراد الله عز وجل أن يخبرهم أن الجن لا يعلمون الغيب.

وفي يوم سخر سليمان عليه السلام الجن تسخيرا شديدا فأخذوا يعملون من بين يديه وكان إذا راقبهم لا يكسلون وكانوا يخافونه خوفا شديدا، وكان يعذبهم في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

فوقف يراقبهم وكان عمره في ذلك الوقت 52 عامًا وأخذوا في السخرة يعملون أيامًا وهو ينظر إليهم ولا يرتاحون ثم أنه أخذ عصاته ووضع كفيه على العصاة ووضع رأسه على جكفيه واستند على العصا يشاهدهم وهم يعملون ويخافون منهم.

وبينما هُم على هذا الحال قبض الله تعالى روحه وظلت عيناه مفتوحتان وظل الجن يعملون يظنونه حيًا وجاء خليفته من بعده فعرف أنه مات لكنه أظهر أنه حي وكأنه يهمس في أذنه ويذهب ويرجع كل يوم على هذا الحال.

وظلت الجن في السخرة سنة كاملة ولا يتحرك سليمان والجن في سخرة شديدة ولا يستطيعون معرفة ما حدث لسليمان عليه السلام فقد كان واقف ومفتح العينين وهم يتهامسون فقط.

وفي هذا الوقت أرسل الله سبحانه وتعالى الأردة التي تأكل الخشب فأخذت تأكل في العصا، فلما ضعفت العصا خرّ عليه السلام فتبينت الجن أنه ميت من سنة وتبين الناس أن الجن لا يعرفون الغيب.

يقول الله عز وجل في سورة سبأ: " فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)". - وهذا دليل على أن الجن ضعاف ولا تعرف الغيب وإنما مسخرة بأمر الله عز وجل.

ومرت الأيام على بني اسرائيل وانحرفوا عن دين الله عز وجل وكانوا قد فقدوا التوراة ونسوا الكثير من الآيات، وبعث الله تعالى إليهم نبي الله عزير.

زكريا عليه السلام

ومرت الأيام بعدما اعتبر اليهود أن عزيرا ابن الله، وجاء قوم صالحون هؤلاء القوم من ذرية داوود عليه السلام هُم آل عمران.

يقول الله عز وجل: ۞ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) سورة آل عمران.

عمران هذا المذكور في القرءان من ذرية داوود عليه السلام، فكانت اشياع أخت مريم بنت عمران. فكان لهم صلة نسب عظيمة متآخية ويكون عيسى عليه السلام ابن مريم خالته اشياع امرأة زكريا.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم مررت على ابني الخالة يحيى وعيسى, في المعراج. ووصف الله سبحانه وتعالى المشاهد العظيمة التي كانت في ذلك الزمان وجاء أول أمر وهو وصف ميلاد مريم عليها السلام. كان ذلك في دمشق، زكريا عليه السلام ابن دان من ذرية سليمان عليه السلام وكان يعيش في دمشق، وكان عمره قد تجاوز المائة في وفاته عليه السلام.

بدأت القصة كما وصفها القرءان الكريم بامرأة عمران أم مريم عليها السلام وأم اشياع, بدأت القصة هذه بأنها كانت لا تحمل, وفي يوم من الأيام رأت عصفورة تطعم فرخها الطعام. أي تضع الطعام في فم الفرخ، فاشتاقت للولد.

فدعت الله عز وجل: إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) ( سورة آل عمران)

فنذرت أن لو جاءها ولد بأن تهبه إلى خدمة بيت المقدس وكان زكريا وآل عمران قد انتقلوا للعبادة، وكان بيت المقدس هو مكان العبادة عند اليهود وكان من سنتهم نذر الأولاد إلى بيت المقدس، فلو جاءهم ولد يسلمونه للرهبان في بيت المقدس يربونه ويعلمونه التوراة ويكون من الخدام والعباد في بيت المقدس.

ولادة مريم أم عيسى عليه السلام

فلما ولدت فإذا المولود أنثى وما كانوا يضعون الإناث يخدمون البيت، فاستشارت عمران فقال لها مادام نذرتيها فهي لله.

كما في البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان، غير مريم وابنها" ثم يقول أبو هريرة: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.

ولم يمس الشيطان مريم عند الولادة، ولم يكن لها من الذرية إلا عيسى عليه السلام, وصارت من خدمة بيت المقدس.

يقول الله عز وجل: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ( سورة آل عمران)

اختصام رهبان بيت المقدس في مَن يربي مريم بنت عمران

وفي هذه المرة اختلفوا وألح زكريا عليه السلام أن يكفلها لكنه خاصمونه فيها وعندها احتكموا من خلال رمي الأقلام في الماء، وصاحب القلم الذي له علامة يكفلها فأخذوا الأقلام ورموها في الماء الجاري، فلما قذفوها سارت الأقلام إلى قلم زكريا عليه السلام سار عكس الماء وهذا من إعجاز الله عز وجل وهو مذكور في القرءان الكريم.

ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) ( سورة آل عمران).

فأخذها نبي الله زكريا وكفلها ونبتت بسرعة وبلغت قبل البنات، وظهر جسمها قبل البنات. وولدت عيسى ابن مريم وعمرها خمسة عشر عاما لكنها كانت بمظهر النساء. وكانت صديقة أفضل نساء العالم، وفي كل مرة كان يدخل عليها زكريا المحراب، وجد عندها طعامًا، فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف فيتعجب، ويسألها من أين جاءكِ هذا قالت هو من عند الله فقد كان ينزل عليها الرزق من السماء لعبادتها.

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) ( سورة ال عمران).

مريم أفضل نساء العالم

وجاءت الاشارت الكثيرة تشير إلى أن أفضل نساء العالم مريم بنت عمران يليها فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ثم خديجة بنت خويلد زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، وآسيا زوجة فرعون.

ولما رأى زكريا ذلك من مريم بنت عمران واصطفاها وأعطاها من الكرامات استاق هو إلى الولد فلم يكن له ولد، وكان عمره في ذلك الموقف أثناء كفالة مريم، مائة عام، وزوجته عمرها تسعة وتسعين عاما فاشتاق إلى الولد وأخذ يدعوا الله سبحانه وتعالى بدعاء عظيم.

زكريا يرزق بـ يحيى عليه السلام

حيث قال لربه أنه رجل كبير في السن ويخاف من أن من يأتي من بعده لا يعبد الله وكانت امرأة لا تنجب، وطلب منه ولدًا يليه يرثه ويرث من آل يعقوب النبوة وأن يكون رضيًا وهنا استجاب الله تعالى له، وشفا الله له زوجته فصارت تلد، يقول ابن عباس فلما استجاب الله له حاضت، وهذه من قدرة الله عز وجل.

وبشرته الملائكة بأنه سيلد له ابنه يحيى وهذا الاسم غريب لم يتسم به أحد من قبل، فلم يكن له أحد اسمه يحيى قبله، فتعجب وقال لله كيف استجاب بهذه السرعة، وكيف يكون له ولد وهو كبير وزوجته لا تلد، فقال الله الأمر بسيط وأنه خلقه من قبل وأنت لم تكن شيء، فطلب من الله أن تكون له علامة له بأن زوجته عملت وأن يجعل له علامة بأن هذا المولود يظهر على بني اسرائيل ليعرف بني اسرائيل فضله، فقال له أن آيتك لا تتكلم مع الناس ثلاثة أيام بدون أن تكون مصاب بمرض، ويمكن الحديث معهم بالرمز فقط بدون صوت.

فقالوا عنه أنه كان يسبح ولا يستطيع أن يتحدث مع الناس.

فظهرت له هذه العلامة ثلاثة أيام فخرج من المحراب على بني اسرائيل، فحملت زوجته مباشرة بعدما ضاجعها، وأوحى لقومه أن يسبح الله في الصباح والمساء.

يقول الله سبحانه وتعالى عنه: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) ( سورة مريم).

ويقول الله عز وجل: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) ( سورة آل عمران).

يحيى عليه السلام

رزق الله سبحانه وتعالى زكريا ابنًا هو يحيى عليه السلام وكان حكيمًا، وجاء في الحديث قال الصبيان لـ يحيى ابن زكريا اذهب بنا نلعب فقال وهو صبي صغير، يعني خمس سنين تقريبا، قال ما للعب خلقنا، وهو صغير.

وهذا تفسير " وآتيناه الحكم صبيًا" واختلف العلماء هل الحكم هنا الحكمة أم النبوة فالأرجح الحكمة.

يقول الله سبحانه وتعالى: يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) (سورة مريم)

فكان يحيى عليه السلام باراً بوالديه نبي ورحمة من عند الله، وقال العلماء ذكر الله السلام في هذه المواطن لأنه أضعف ما يكون فيها الانسان. حيث أضعف مواضع الانسان حينما يولد ويموت ويوم يبعث.

جاء في الحديث أن عيسى عليه السلام التقى بـ يحيى عليه السلام فقال له استغفر لي أنت خيرٌ مني، فقال يحيى لعيسى بل أنت استغفر لي أنت خيرٌ مني، فقال عيسى بل أنت خيرٌ مني سلمت على نفسي، وسلم الله عليك.

الآية تقول وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) (سورة مريم)

وبينما في آية ذكر عيسى: وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) (سورة مريم).

طبعا ذلك من تواضع عيسى عليه السلام، واتفق العلماء أن عيسى أفضل من يحيى.

وجاءت روايات ضعيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى ابن زكريا، وما ينبغي لأحد أن يقول أن خيرٌ من يونس ابن متى.

وهناك اشارات كثيرة إلى أن يحيى عليه السلام كان مطهرا من الأخطاء عليه السلام. بعد ميلاد يحيى بثلاثة شهور فقط ولد عيسى عليه السلام.

عيسى بن مريم عليه السلام

اسمه عيسى المسيح ابن مريم وسمى المسيح لأنه كان يسيح في الدنيا لم يكن لديه بيت كان يسير في الدنيا بين الناس.

وولادته كانت بمعجزة إلهية فأمه مريم ذهبت إلى شرق بيت المقدس وجعلت بينها وبين الناس حجاب ولم يكن أحد يدخل لديها وكانوا يضعون لها الطعام والله كان يرزقها الطعام، ولم يدخل عليها أحد إلى زكريا فقط، وكانت عابدة ناسكة وأرسل الله إليها جبريل عليه السلام ومن أخطاء النصارى العظيمة أنهم يعتبرون روح القدس هو الثالث للثلاثة يقولون ثلاثة الأب والابن وروح القدس، وفي الواقع انحرافهم فيه واضح فروح القدس هو جبريل عليه السلام.

بعدما ظهر لـ جبريل عليه السلام في صورة بشر رجل جميل جدًا في داخل الحجاب فتعجبت مريم ابنة عمران وتساءلت من هذا الذي دخل عليها، واستعاذت بالله عز وجل منه وطلبت منه ألا يمسها بسوء فقال إنما هو رسول من الله ليهب لها غلاما زكيًا، فتعجبت كيف يكون لها غلام ولم تعاشر رجل ولم تزني؟!

قال لها أن الأمر هين وأنه سيكون معجزة للناس من معجزات الله عز وجل ورحمة من الله بهؤلاء الناس المبعث لهم، وكان أمر مقضي ونفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم وهو الشق الذي يكون في الصدر في الثوب.

ونفخ فيها في جيبها كما جاء في الروايات الواضحة، ونزلت النفخة إليها فدخلت فيها فحملت فورًا، فحملت فلما حملت ظلت في المحراب معتزلة عن الناس لا يشعرون بها إلى أن شعرت بأنها ستلد، فابتعدت ومشت مسافة بعيدة عنهم حتى وصلت إلى بيت لحم.

وذهبت لمكان بعيد جدا عن قومها، قيل قرب بيت لحم جاءها المخاض وشعرت بالولادة فألجأها المخاض إلى جذع نخلة يعني نخلة ميتة ليس بها ورق، فخافت من الفضيحة وتساءلت كيف سترجع إلى قومها ومعها غلام، وتمنت الموت فسمعت نداء يناديها من تحتها قيل أنه عيسى عليه السلام، كلمها لما ولدته، وقيل إنه جبريل عليه السلام ناداها من تحت الأرض.

فقال لها لا تحزني أن الله جعل تحتها ماء سرت تحتها بمعجزة من عند الله عز وجل، وأمرها بهز جذع النخلة التي لجأت إليها ومعروف جذع النخلة لا يهتز لكن الله يريد أن يظهر معجزاته فتساقط منها التمر الرطب.

بالتالي كان معها الماء والطعام، لتأكل وتشرب ولا تخاف ولا تحزن فاستقرت بعدما كانت خائفة من الفضيحة وكيف ستعود إلى قومها وعرفت أن الأمر من عند الله وأنه تدخل إلهي، وجاء النداء حينما ترى أي انسان لا تكلمه، وتشير إليه فقط بالاشارات أنها صامت ولن تكلم أي انسان اليوم.

ورجعت إلى قومها وهي تحمل عيسى ابن مريم عليه السلام فقالوا لها يا مريم إنكِ جئتِ بشيء عظيم يا أخت هارون ( الرواية الأرجح أنه كان لديها أخ اسمه هارون وجاء في حديث

صحيح لما أرسل أحد الصحابة إلى نصارى نجران فتلا عليهم الأيات المتعلقة بعيسى عليه السلام فقالوا له كيف تقولون عنها أخت هارون وهارون في زمن سحيق بعيد عنها فرجع وسأل النبي عليه السلام قال ألا تعلم أنهم كانوا يتسمون بأسماء الأنبياء).

وهناك بعض المفسرين يفسرون بأنها كانت مشهورة بالعبادة فكانوا يشبهونها بهارون عليه السلام وكلا الأمرين محتمل.

وقال بنو اسرائيل لـ مريم أن أبيكِ لم يكن سيء ولا أمك كذلك، إذًا كيف تفعلين ذلك وأمك وأبوك صالحين ؟

فلم ترد عليهم وأخذت تشير إلى الغلام ففهموا اشارتها! !

فقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيًا؟! كيف تريدين أن نتحدث مع غلام رضيع في المهد لم يبلغ سن الكلام وهنا جاءت المعجزة العظيمة قال لهم: " إني عبد الله"!!

فسكت الناس وأخذوا يسكتون بعضهم البعض، فأعاد عليهم قال : " إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا، وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيًا وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيًا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا".

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة "مريم"

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ

إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) ۞ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36).

وهكذا كانت ولادة عيسى عليه السلام

يقول الله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ

اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) (سورة المائدة).

اليهود لا يصدقون مريم ابنة عمران

ومنذ هذا اليوم وسموا مريم ابنة عمران بالبغي وسموا عيسى ابن مريم بابن البغي.

يقول الله: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) (سورة النساء).

يقول الله عز وجل: إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) (سورة آل عمران).

يقول الله عز وجل: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا

(92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) ( سورة مريم).

لم يتكلم عيسى عليه السلام في المهد إلا حينما جاءت أمه إلى بني اسرائيل، وبعدها تكلم وهو شاب وظهر عليه العلم, حينما أصبح شاب وخاف بنو اسرائيل منه وكان المنحرفين يخافون منه من أنه سيهلهكم وخافوا من أنه سيظهر فسادهم فبدءوا يتحرشون به ولكن أمه كانت تحرسه حراسة شديدة وكانت تخرج به خارج المدينة كثير من الأحيان. ولجأت به عند بيت المقدس عند تل بالقرب من بيت المقدس.

يقول الله: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) (سورة المؤمنون)

أي أنها سكنت في مكان مرتفع فيه الثمار وفيه الماء وبدأ عيسى عليه السلام يكبر وعليه علامات الصلاح والحكمة لكنه لم يؤت النبوة بعد وأن يدعوا الناس أنه نبي إلى أن صار عمره ثلاثين عامًا، وأعطاه الله الإنجيل وقتها وبدء يدعوا للرسالة.

الانجيل ينزل على عيسى بن مريم

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) ( سورة المائدة).

وهنا رزقه الله الإنجيل وثبت التوراة ونسخ بعض ما فيها بالإنجيل الذي فيه الأحكام والشريعة الاسلامية.

معجزات نبي الله عيسى ابن مريم

وظهرت له المعجزات العظيمة المذكورة في القرءان الكريم

وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ

وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) ( سورة آل عمران )

وهو كان رسول لبني اسرائيل فقط وليس لجميع الخلق، وجاءت معجزاته التي رزقه الله اياها حتى يظهر أنه نبي، وليست معجزة واحدة بل معجزات متتالية أنه يقوم بالخلق من الطين شكل الطير فينفخ في فم الطير فيكون طيرًا بإذن الله تعالى. ورغم ذلك كان بنو اسرائيل يكذبون.

ومن معجزات عيسى عليه السلام أيضًا أنه يقوم بشفاء الأعمى ( الأكمه ) والمريض بمرض البرص وهو مرض جلدي يجعل الجلد أبيض، وكان الناس يهربون منه خوف العدوى.

ثم إن عيسى عليه السلام فعل لهم آيات أخرى أن ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في منازلهم.

ومن أعظم الآيات التي أظهرها عيسى بن مريم إحياء الموتى. ففي الروايات أنه أحيا أربعة من الموتى، منفصلات كل مرة حادث مختلف.

بنو اسرائيل يكفرون بـ عيسى بن مريم

كفر بنو اسرائيل بدعوة عيسى بن مريم، ولما أحس منهم الكفر تساءل من ينصرني ويؤمن بي بلا تردد فقال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون.

يقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ".

وقيل أن عدد الحواريين 12 فقط وهم أنصار عيسى عليه السلام، وآمن جزء من بني اسرائيل وكفرت طائفة أخرى، وأيد الله المؤمنين على عدوهم وانتصروا عليهم.

فأيد الله النصارى على اليهود. وانقسم الناس ثلاثة أيام فقسم قال إن المسيح هو الله، وقسم قال المسيح هو ابن الله، وقسم قال هو عبد الله ورسوله وهم الموحدون من النصارى وتبع هذا القول أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأظهر الله هذه الأمة على هذه الأمم السابقة.

فهكذا آمن الحواريون لكن عدد قليل وفي نفوسهم مع ذلك تردد، وفي يوم من الأيام قالوا قولة يريدون بها أن يتوثقوا من إيمانهم، ورغم كل المعجزات مازالوا مترددين.

الحواريون يطلبون من عيسى أن ينزل الله مائدة من السماء معجزة

يقول الله في سورة المائدة: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) ( سورة المائدة).

وارتدى موسى عليه السلام بالثياب الصوف وألح بالدعاء والصلاة، فاستجاب الله سبحانه وتعالى له، وفي رواية أن الحواريين نادوا بني اسرائيل ليأكلوا منها.

ونزلت المائدة وأكلوا منها وظلّوا على الإيمان ما كفروا إلا واحد منهم خان عيسى.

فلما بدأت هذه المعجزات أن تظهر والناس تتحدث بها خاف اليهود أن دينهم يندثر فخافوا على سلطانهم الدنيوي والديني فيخرج منهم الملك

وسياسة أمور الناس، فتآمر أحبار اليهود وجاءوا إلى ملك تلك المناطق وكان يتبع للروم.

فأخذ يحذرونه من عيسى عليه السلام وينبونه بأنه يقول أنه ملك اليهود وسيأخذ منك الملك فخاف هذا الملك على ملكه فأمر بالبحث عن عيسى ليقتلوه ويصلبوه فكان شأنهم الصلب، فلم كانوا يقتلون الرجل بل كانوا يضربون المسامير في يديه وفي وسطه وفي رجليه على الصليب فيموت على الصليب اختناقًا، فالرئة تنزل من هذا التعليق فلا يستطيع أن يتنفس وعادة يموت بعد يموت على الأقل من التعذيب، ويموت ليس من النزيف بل خنقًا.

فبدأت مؤامرة اليهود على عيسى عليه السلام لقتله وكان هذا بعد ارساله بثلاث سنين فقط ولم يصبروا عليه عليه السلام

يقول الله " وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)" ( سورة آل عمران .

يعني يكلم الناس في الولادة وهو في سن الثلاثين.

وجاءت روايات عن رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وهو اغلبه من الاسرائيليات وسيتم التجاوز عنها للتحريف الذي جرى في التوراة والإنجيل وسيتم الاكتفاء بالرواية التي في النسائي على شرط مسلم

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: " لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت 12 منهم من الحواريين فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال إن منكم مَن يكفر بـي 12 مرة بعدما آمن بي ثم قال أيكم يلقى عليه شبهي فيُقتل مكاني، فيكون معي في درجتي، فقام شاب من الحواريين من أحدثهم سنًا، فقال له عيسى عليه السلام له اجلس، ثم أعاد عليهم من مستعد أن يفدي نفسه بنفسي، كلهم ترددوا إلا هذا الشاب فقال أنا، فقال عيسى عليه السلام أنت هو ذاك"

فنزل عليه شبه عيسى وتغير شكله أمام أعينهم وصار شكله شكل عيسى عليه السلام.

والحديث مازال متواصل (ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء وهم ينظرون) والروزنة هي الشباك في السقف.

قال ابن عباس: " فجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به واحد من هؤلاء 12 مرة بعد أن آمن وافترقوا ثلاثة فرق فقالت طائفة كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء يسمون اليعقوبية وقالت فرقة كان فينا ابن الله ماشاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسلوه ماشاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسًا حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فذلك قول الله تعالى فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين".

الروايات أنهم أمسكوه الحواريون فكلهم قالوا انا اصحابه إلا واحد فأمسكوه وأطلقوه وجاءت الأدلة أنه صاحبه فجاءت الأدلة فأمسكوه 12 مرة فحلف أنه ليس صاحبه.

ثم إن اليهود خافوا أن تصبح فتنة وإن الذين بدءوا يتأثرون بهذا الدين يثأرون لأصحابهم فتركوهم واشترطوا عليهم عدم الدعوة بهذا الدين، وظل دين النصارى بالسر مائتين واربعين سنة في السر يدعون وبدأ الدين ينتشر لكن في السر ولم يظهر هذا الدين إلا حينما آمن به أحد ملوك الروم قسطنطين، لكن أدخل به شيء من الشركيات.

في الحديث أنهم ظلوا على التوحيد 240 سنة وكانوا يقدسون عيسى ولا يدرون كيف يفسرون هذه الأمور فجعل هو الذي يختار القساوسة والاحبار وبدأ الانحراف.

وهناك نصارى حتى الآن إلى اليوم فرقة تسمى الموحدة Unitarian ولهم كنائس وانجيل ليس فيه شرك ويسمى انجيل برنابة، مشهورين ولكنها فرقة قليلة جدًا من أقل فرق النصارى.

يقول الله عز وجل: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) ( سورة النساء).

وجعله الله سبحانه وتعالى من علامات الساعة

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) (سورة الزخرف).

وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا أولى الناسِ بِعِيسَى ابنِ مريمَ في الدنيا و الآخرةِ ، ليس بَيْنِي و بينَهُ نَبِيٌّ ، و الأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ ؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى ، و دِينُهُمْ واحِدٌ.).

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس بيني وبينه نبي يعني عيسى وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون".

وينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق في آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل يعني ينهي كل دين إلا دين الاسلام يعني يقضي على النصرانية حتى تهلك في زمانه كلها ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، ويظهر السلام ويعم الأرض في مجيء عيسى عليه السلام حتى ترتع الإبل جميعَا، ويلعب الصبيان والغلمان بالحيات لا يضر بعضهم بعضًا فيمكث ما شاء الله له أن يمكث.

وجاء في الحديث يمكث اربعين سنة حتى يموت. ويصلي عليه المسلمون

وفي يوم القيامة يقول الله عز وجل لعيسى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) (سـورة المائدة).

محمد صلى الله عليه وسلم

عدما رفع الله نبي الله عيسى بن مريم إلى السماء ونجاه من القوم الكافرين ظلت الأرض ما يقارب 6 قرون بلا نبي أو رسول فانتظر الكفر بالله فأذن الله أن يرحم البشرية بخاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، ولما ولد هدمت شرفات ايوان كسرى وانطفأت نار المجوس ورجمت الشياطين في السماء بمولد محمد صلى الله عليه وسلم.

ولد يتيمًا فأواه جده عبد المطلب وفرح به ثم لما توفى آواه عمه أبو طالب، وأمه وهو صغير توفيت فأرضعته حليمة السعدية ولما جاءها محمد صلى الله عليه وسلم كان خيرا لها، وبارك الله في غنمها وأموالها وشياهها.

كان وهو صبي يلعب عند حليمة جاءه جبريل عليه السلام ففزع الأولاد وهربوا وبدأ يشق صدره ثم أخرج قلبه وغسله وأخرج حظ الشيطان منه، ثم أرجع قلبه والتأم صدره مرة أخرى.

حفظه الرب عز وجل منذ صغره فلم يسجد لصنم قط ولم يشرب خمر ولم يأتِ فاحشة، ورعى الغنم حاله كحال الأنبياء.

أول زوجة يتزوجها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

تزوج النبي محمد عليه السلاة والسلام من السيدة خديجة بنت خويلد فكانت نعم الزوجة والرفيقة والصاحبة بل لما خرج في تجارة رآه أحد الرهبان واسمها بحيرة قال مَن يرعى هذا الشاب؟ قال إنه عمه أبو طالب فقال الراهب بحيرة: هذا سيكون له شأن كبير وسيكون نبي هذه الأمة.

قال ما أدراك؟!

قال ما جلس أحد في هذا المكان إلا وكان نبي ورأيته يجلس فيه، ثم إن الغمام يظلله حيث شاء ثم رأيت في كتفه خاتم النبوة إنه محمد سيد الأولين والآخرين خير من وطأت قدمه الثرى على هذه الأرض.

أحبه أهل مكة حتى سموه صديقا أمينا فهو الصادق الأمين الذي أحبه كل أهل مكة بلا استثناء وترعرع في مكة المكرمة.

النبي محمد قبل البعثة يختلي بنفسه في الغار

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختلي بنفسه في مكان يسمى غار حراء ويتعبد الله عز وجل فيه ويجلس الأيام والليالي وربما قضى شهرا كاملا في غار حراء لوحده في ظلام الليل وحر النهار وخديجة بنت خويلد تأتيه بالطعام والشراب وكان يجلس ويتعبد الله، ولا ندري.

نزول جبريل على محمد في غار حراء

لكن بينه وبين ربه ربما دعاء أو ذكر أو تسبيح ويجلس في الأيام والليالي وفي ليلة ظلماء كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الغار وفجأة جاءه شيء من وراءه فضمه ولم يستطع التحرك فقال له هذا الشيء: اقرأ. قال أنا : ما أنا بقاريء. قال : اقرأ. قال : ما أنا بقاريء. قال اقرأ: قال ما أنا بقاريء.

قال له اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم.

إنها بداية البعثة وأول قطرة من قطرات الوحي. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجته خديجة بنت خويلد ويقول لها زملوني زملوني دثروني دثروني.

وبدأ النبي يبلغ الناس وذهبت به خديجة بنت خويلد إلى ورقة ابن نوفل فأخبره ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي.

النبي يبلغ الناس بأنه مرسل من الله

بعد بعثته عليه الصلاة والسلام قام على جبل الصفا يبلغ الناس الدين فقال أيها الناس إني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٌ شديد.

وأول من رد عليه عمه أبو لهب قال له تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟!

وعذب أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم فبلال ابن رباح يعذب على الرمضاء ويوضع الصخر على رأسه ويقول أحد أحد.

عمار ابن ياسر تذبح أمه أمامه ويذبح أبوه والنبي يمر عليهم وهم يتعذبون يقول لهم صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

خباب ابن الأرت يوضع على الجمر حتى يشوى ظهره ويذكرهم بالأمم السابقة يقول لهم كان يؤت بأحدهم في حفرة ويوضع المنشار على رأسه ويفرق نصفين ما يرده ذلك عن دينه شيئًا.

الكفار يعذبون ويقتلون أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم

يطوف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت فيخنق حتى كاد يقتل فما كان يدفعه عنه إلا صاحبه أبو بكر الصديق.

يوم من الأيام كان يسجد في الكعبة فيوضع على راسه سلى الجزور قذارة ناقة بعدما أن ولدت حملوها ورموها على ظهره.

ومرت 13 سنة من الضرب والتعذيب والقتل حتى التجويع لمن يتبعون محمد عليه الصلاة والسلام، وحاصر الكفار محمد وأتباعه 3 سنوات حتى أن البعض كان يأكل ورق البشر وصبر النبي وذهب إلى الطائف يبلغهم بالدين فتبعوه بالحجارة جاءه الملك يقول دعني أطبق عليهم الأخشبين فرد عليه قائلا لا أرجو أن يخرج الله من أًصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا.

الهجرة إلى المدينة المنورة والمشركون يطاردون النبي

لما اشتد البلاء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة وصاحب أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وفي ليلة الهجرة نام الإمام علي بن أبي طالب في فراش النبي، وخرج

النبي إلى غار ثور مع أبي بكر وقبل أن يدخل الغار دخل أبو بكر فوجد فيه جحرين غطى أحدهما بثوبه والآخر برجله ونام النبي على رجل أبي بكر ولسعت دابة رجل أبي بكر الصديق ولم يتحرك فدمعت عيناه فسقط جزء منها على خد النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظ قال له مالك يا أبا بكر. قال لا شيء لسعني شيء برجلي، قال أرني رجلك يا أبا بكر فدعا لها ونفث عليها فبرأت.

وظل النبي مع أبي بكر في الغار ليلة كاملة وفي الصباح كان المشركون يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصلوا إلى باب الغار فوقفوا عند باب الغار فبكى أبو بكر قال ما يبكيك يا أبي بكر. قال لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا يا رسول الله قال ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!

وظل النبي ورسول الله أيام في هذا الغار، حتى أذن الله له بالذهاب للمدينة المنورة. وتبعهم سراقة وكان مشركا قبل اسلامه فوصل للنبي وابي بكر فنظر خلفه. قال ابو بكر انه سراقة يا رسول الله فقال لا عليك ما ظنك باثنين الله ثالثهما.

وفعلا ساخت قوائم فرس سراقة ولم يستطع القيام.

فرجع النبي إليه يقول يا سراقة هل لك أن ترجع وتعمي علينا ؟

قال وما لي يا محمد؟

قال لك سوار كسرى!!

وفعلا عم عليهم ووصل النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق ووصلا إلى المدينة المنورة واستقبلهم الناس أحسن استقبال.

دولة الاسلام بدءا من المدينة المنورة

عاش النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الهجرة وكان فيها يهود سالمهم وعاهدهم لكنهم غدروا وأرادوا قتله، وقتل من قتل وأجلى من أجل منهم وأسس الدولة الاسلامية وأقام الجهاد في سبيل الله وانتصر في أول معركة له مع المشركين في بدر.

فتح مكة المكرمة والجهاد في سبيل الله

وفي أحد أصيب واستشهد بعض أصحابه وتجمع المشركون والأحزاب حوله في الخندق فنصره الله وأيده وفتح الله عليه في الحديبية فتحا مبينًا وفي السنة الثامنة رجع إلى مكة المكرمة فاتحًا، إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.

وظل حياته يجاهد في سبيل الله ويقاتل أعداء الله عز وجل، ونشر الدعوة في كل مكان وأرسل الرسل وبعث الناس بالكتب ووجه هذه الأمة إلى دينها وعلمهم أخلاقهم وكان يقاتل في حنين وهو عمره أكثر من ستين سنة.

وكان يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.

قاتل في سبيل الله ولم يخش أحد في الله، كان يعلم أصحابه الجهاد والقتال.

ومكث في المدينة عشر سنين من جهاد لآخر حتى وعد أصحابه بفتح بيت المقدس وبفتح مشارق الأرض ومغاربها وأسس أمة إسلامية ودولة إلى اليوم بقيت آثارها وبقيت دعوته وبلغ الرسالة وأدى الأمانة وقاتل في سبيل الله وجاهد في الله حق جهاده حتى لقى ربه عز وجل.

نبينا كان على كبر سنه يجلس مع الوفود حتى من غير المسلمين من أديان شتى يعلمهم شؤون دينهم، وأموره.

كان النبي أعبد الناس لربه وكان يكثر من الصيام والليل كان لله عز وجل وكل ليلة كان يقوم الليل بل كان أحيانا يتجاوز نصف الليل وأكثره.

وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

حج الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة وسميت الحجة بحجة الوداع فقد كان يقول لأصحابه خذوا عني مناسككم فلعلي لا أراكم بعد عامي هذا.

ولما رجع من الحج وفي بداية السنة 11 للهجرة أحس النبي صلى الله عليه وسلم بمرض وازداد به المرض واشتد به الصداع واستأذن أزواجه أن يبيت في بيت عائشة رضى الله عنها فبات عندها ليال طوال واشتد المرض به وكان يقوم يحمل إلى الصلاة.

وفي ليلة من الليالي جاءه بلال ابن رباح يؤذنه بالصلاة فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أصلى الناس قال لا يا رسول الله إنهم ينتظرونك. ثم قال النبي وقد أعلته الحرارة والحمى قال أريقوا علي ماء فصبوا عليه ماء وإذا به يحس بشيء من نشاط فيقوم فلما قام اشتد المرض به فسقط على الأرض وأغمى عليه ثم حمل إلى الفراش ثم قام فقال أصلى الناس فقالوا لا يا رسول الله إنهم ينتظرونك فقال أريقوا علي ماء فصبوا عليه ماء ثم قام ليذهب إلى المسجد فلم يستطع فسقط ثم عاد مرة أخرى إلى الفراش فظل هكذا حتى قال لـ بلال مر أبا بكر فليصل بالناس.

فجاء بلال يأمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولأول مرة يصلي رجلٌ آخر بالصحابة والرسول موجود.

فحزنت المدينة واشتد الهم لا يأتي النبي ليصلي الصلوات هكذا، ظل ثلاث ليال بالفراش لا يستطيع أن يصلي بالناس حتى أحس بالنشاط في يوم من الأيام فقام صلى الله عليه وسلم وخطب بالناس وصلى بهم ثم قال إن الله عز وجل خيّر عبدًا بين هذه الدنيا وزهرتها وبين ما عنده فاختار العبد ما عند الله عز وجل، ولم يخبرهم أنه هو فإذا بأبي بكر يبكي بين الناس لأنه علم أنه نعيٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم الصلاة التي بعدها لم يستطع الخروج إليهم فانتشر الحزن بين الناس وعلاهم الغم والهم.

في اليوم الأخير نادى أهل بيته فاطمة رضى الله عليهم وآل بيتهم يوصيهم ويذكرهم، فبكت فاطمة وقالت واكرب ابتاه واكرب ابتاه فقال لا كرب على أبيكِ بعد اليوم.

ولما جاء الضحى كان لوحده مع السيدة عائشة رضى الله عنها ووضعه بين سحرها ونحرها ثم قال بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى.

ثم توفى صلى الله عليه وسلم وانتشر الخبر بالمدينة والناس بين مصدق ومكذب أما عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فقال من قال أنه مات لأضربنه بالسيف. ثم جاء أبو بكر ودخل عليه وكشف الغطاء عنه ورآه ميتًا فقبله بين عينيه ثم خرج إلى الناس وقال لهم أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، ثم قرأ : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين".

ومات النبي صلى الله عليه وسلم ودفن بعد يومين وإذا بفاطمة تقول للذين دفنوه كيف طاوعتكم قلوبكم أن تحثوا التراب على رسول الله. يقول أنس ابن مالك لما قدم المدينة أنار كل شيء ولما مات أظلم في المدينة كل شيء.

وهكذا طويت آخر صفحة من صفحات قصص الأنبياء عليه الصلاة والسلام خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم. توفى حاله كحال جميع البشر...

وبهذا قد نكون ختمنا قصص الأنبياء والرسل بخاتم الأنبياء سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.